وتفيد المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة بأنه تم العثور على بقايا حمض الهيدروفلوريك ومواد كيميائية خاصة بعد فحص عينات أخذت من بئر في بيت القنصل ومن قنوات الصرف الصحي في المنطقة، ورغم ذلك لا تزال الأسئلة مفتوحة بشأن كيف تمت العملية.
بحثاً عن إجابة لتلك الأسئلة، وعن حقيقة الظروف اللازمة لتذويب جثة الصحفي خاشقجي، وما إن كانت تحتاج إلى وعاء وبيئة خاصين للتخلص منها، تحدثت الجزيرة نت مع المهندس التركي يوسف كاتب أوغلو، وهو متخصص في هندسة البيئة والتعامل مع المحاليل المائية والكيميائية للأجسام، وكذلك مع مختصين آخرين في الكيمياء.
بدأ أوغلو حديثه عن إمكانية إذابة الجثة بشكل كامل، إذ قال إنه بالفعل يمكن لبعض الأحماض أن تذيب أي جسم سواء أكان لحما أو بروتينا أو عظاما، ولكن بنسبة 90 إلى 95% وتبقى هنالك بعض المناطق التي يصعب إذابتها وتبقى أجزاء منها متناثرة.
وعن طبيعة الأحماض المرجح استخدامها في العملية، أوضح المختص التركي أوغلو أن حمض الهيدروفلوريك هو من أقوى الأحماض الكيميائية التي تفتّت أي مادة صلبة وتتغلغل في الجزيئات بما فيها العظام، وتبقى ما تسمى بالعقد في الكالسيوم حيث يكون هناك تركيز عالي جدا لجزيئاته، وبالتالي يصعب تغلغل الحامض وتفتيت العقد الموجودة في العظام.
أما الأوعية الخاصة التي يمكن استخدامها لإنجاز العملية فهي الزجاجية المقعرة التي لا تذوب مع الحمض ولا يستطيع أن يخترقها أو يحلل جزئياتها بسبب احتواء الزجاج على مادة "السيليكا".
ووفقا لأوغلو فإن الحقائب الكبيرة التي تم إدخالها إلى مقر القنصلية لاحقا ومنزل القنصل من المتوقع أنها كانت تحتوي على تلك الأواني الخاصة بإذابة الجثة.
ويرجح أيضا أن الفريق السعودي الخاص بالعملية لم يقم بإذابة الجثة قطعة واحدة، لكنه يتوقع أن يكون قد قام بتقطيعها إلى 6 قطع كحد أدنى أو 12 قطعة إذا كان الهدف هو سرعة الإذابة.
ويؤكد أوغلو أن الكمية المطلوبة من حمض الهيدروفلوريك المركز لإذابة لكل قطعة من جثة الصحفي جمال خاشقجي هي من 500 إلى 1000 مليلتر (لتر واحد)، في حين قد تتطلب إذابة الجثة كاملة قرابة 20 لترا.
التخلص النهائي
وبشأن مصير الجثة بعد إذابتها، يفيد يوسف أوغلو بأن الطريقة الوحيدة للتخلص من الحمض بعد العملية هي قنوات الصرف الصحي التي ستختلط بها تلك المواد الذائبة مع المياه، وبالتالي فإن أي تحليل كيميائي لمياه الصرف يساعد في العثور على بعض الأجزاء المتناثرة من بقايا الجثة أو على خليط من مواد كلسية وبروتينية، ليس في العادة أن تكون موجودة في مياه الصرف الصحي، وذلك ما أثبتته المباحث الجنائية التركية عندما كشفت عن وجود مواد كلسية وبروتينية والحمض النووي (دي أن أي) في المياه عقب قيامها بالتحليل.
كما أن عملية إذابة الجثة بمثل ذلك النوع من الأحماض ستنتج عنها روائح قوية وكريهة وأبخرة، نظرا لتفاعلات أسيدية بروتينية كلسية بسبب التفاعل بين الحمض والجثة، ووفقًا للمهندس التركي يوسف أوغلو فإن ذلك يتطلب بالضرورة أن يكون هنالك زمن كاف لتهوية المكان.
ولعل هذه النقطة هي التي يمكن من خلالها تفسير أسباب عدم سماح القنصلية السعودية لفريق التحقيق الجنائي التركي بالدخول إلى منزل القنصل إلا بعد 14 يوما من ارتكاب الجريمة، كما ظلت بعض نوافذ المنزل طوال تلك الأيام مفتوحة وحتى المدخنة بغرض التهوية وللتخلص من الروائح والتفاعلات، وفقًا لأوغلو.
وأفاد مختصون أتراك في الكيمياء بأن الفريق السعودي المنفذ للعملية كان حريصا على التخلص من جميع الآثار والدلائل من خلال تهريبها عبر مياه الصرف الصحي وتسيير المياه بكثافة خصوصا وأن التعامل مع الحمض المستخدم يعتبر خطير جدا ولا يمكن نقله بسهولة من وعاء إلى آخر.
أقنعة خاصة
وليس بالضرورة أن يرتدي الفريق أقنعة خاصة عند تنفيذهم العملية، حسب إفادة المختصين، على اعتبار أن الغازات التي تصدر عن تفاعل الجثة والحمض ليست سامة، إذ تنبعث منها روائح كريهة وأبخرة فقط، ويقتضي الأمر الحذر في التعامل مع الحمض فقط من خلال ارتداء القفازات الخاصة والأقنعة الواقية من رذاذ الأبخرة للاحتياط أكثر وكذلك الملابس الخاصة، خصوصا وأن أجزاء صغيرة من الجثة تبقى صعبة الإذابة، ويعتقد المختصون الأتراك أنه تم دفنها في مكان ما بحديقة القنصل، أو أنها قد تكون تعرضت للهشاشة وتم تجفيفها وتفتيتها إلى قطع صغيرة والتخلص منها بحملها في الحقائب التي غادر بها الفريق.
وعن كيفية الحصول على مثل تلك الأحماض الكيميائية التي استخدمت في إذابة جثمان خاشقجي، يقول المختصون إن من الممكن اقتناؤها من بعض المختبرات أو الأسواق التركية الخاصة بالمواد الكيميائية، وهي ليست سامة أو ممنوعة التداول ولكن يتم تأمينها وبيعها بإذن خاص ويتم السؤال عن الغرض من طلب المادة والهدف من استخدامها، كما أنها تباع في المصانع التركية التي تقوم بصنع المنظفات ولديها تراخيص في استيراد تلك المواد، إضافة إلى بقية المصانع الكيميائية الأخرى، بحسب حديث مختصين في الكيمياء للجزيرة نت.
المهمة الأصعب وفقا للمختصين تتمثل في التنظيف والتخلص من بقايا الحمض النووي بعد العملية لأنها تبقى عالقة بالملابس والأغطية والأسطح حتى لو تم غسيلها بالطرق الاعتيادية، لكن مع وجود خبير لديه المبيضات الأكسجينية المناسبة يمكن التخلص من جميع تلك الآثار خلال ساعتين.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي إضغط هنا