بظل أزمة الحرب الخانقة التي تدور رحاها في اليمن منذ خريف 2015 وتفاقم الأزمة الانسانية والأوضاع الاقتصادية، تحاول كثير من الأسر اليمنية إيجاد حلول مؤقته لتوفير متطلباتها المعيشية كبيع المدخرات والاستقراض من ذوي الدخل المرتفع, لكن كل المحاولات نفذت وبات واقع اليمنيين كارثي مع استمرار الحرب وغياب أي افق سياسي لحل الأزمة.
بنبرة حزن خانقة استهلت السيدة هناء محمد حديثها لموقع شبكة إعلام السلام قائلة " ضاقت بي السبل ..إلى متى سيستمر هذا الحال ..ما عدت ادري ماذا أفعل", هناء معلمة في إحدى المدارس الحكومية في مدينة صنعاء وزوجها كذلك، يشكوان الفقر والحاجة وعدم قدرتهما على تلبية أدنى احتياجات اسرتهم المكونة من 6 اشخاص بينهم اربعة اطفال.
هناء تقول انها أرغمت بعد انقطاع راتبها منذ أكثر من سبعة أشهر على ترحيل ولدها الأكبر للعيش مع جده في القرية ليتكفل بمصاريفه الدراسية وتوفير احتياجاته." صعب علي فراق ابني لكني كنت مضطرة لذلك بعدما عجزت عن توفير رسوم دراسته الجامعية".
انقطاع الرواتب فاقم من معاناة الأسر في ظل أزمة الحرب الحالية مما اضطر كثير من النساء امتهان مهن دنيا لتوفير لقمة العيش لأطفالهن.
(ع.أ ) ربة بيت رفضت التصريح عن اسمها تقول باكية "بعد إن توقف راتب زوجي اضطررت للعمل في المنازل.. حتى إني أصبحت أجمع بقايا الأكل لأطعم أطفالي".
وتضيف في حديث لشبكة "اعلام السلام"، "زوجي يضطر للخروج باكراَ سيراً على الأقدام إلى المدرسة ..فهو مجبور على العمل دون راتب".
فيما تقول سامية سعيد التي تعول ثلاثة أطفال وأمها أيضا "أنا أرملة وقد كنت أعمل مع إحدى الشركات الخاصة.. بسبب ظروف الحرب تم الاستغناء عني .. فلجأت إلى تجهيز أكل خفيف أبيعه كل صباح في باب المدرسة القريبة من سكني...لكن حتى المدارس تتوقف عن العمل".
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد سعيد شماخ أن "الحرب دفعت غالبية أسعار السلع الأساسية نحو الارتفاع، في الوقت الذي لم يعد الكثير من المواطنين قادرا على تغطية احتياجاتهم من الغذاء، لعدم وجود السيولة النقدية بين أيدي المستهلكين".
وتجتاح المجاعة غالبية مدن اليمن، بسبب عدم قدرة السكان على توفير المأكل والمشرب لأطفالهم، الذين يعانون سوء التغذية، ودفع هذا الوضع كثير من المنظمات الدولية لإعلان عدد من المحافظة اليمنية "مناطق منكوبة"، لانعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعة فيها.
ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، يعاني 460,000 طفل في اليمن حالياً من سوء التغذية الحاد وتنتشر المجاعة في عموم المحافظات اليمنية.
إيجارات متراكمة وتهديد بالطرد
أصبح الإيجار شبح يهدد المستأجرين الذين يعتمدون في دخلهم على رواتب الدولة, ويصفونه بمصدر للقلق والذل والإهانة, كما أصبحت الأقسام تضج بالشكاوي الخاصة بالإيجارات, محمد علي يقول: "أعاني كثيرا من إهانات المؤجر ولست وحدي من يعاني ذلك أغلب سكان العمارة أيضاً".
ولا يقتصر سلوك المؤجرين على إهانة المستأجرين فقط ولكن تعدى ذلك إلى الاعتداء الجسدي وقطع الخدمات الأساسية عنهم كالماء وأسلاك الطاقة الشمسية, حيث تم تسجيل حالة طعن بالسلاح الأبيض في سكن وسط العاصمة صنعاء في شارع القاهرة.
ويحاول المستأجرين توفير أي مبلغ كجزء من الإيجارات لتهدئة المؤجر سواء عن طريق بيع مدخرات أو طلب معونة من أقارب خارج اليمن.
محمد في حديث مع شبكة إعلام السلام يقول "ينتابني التوتر والقلق كثيرا كلما أقترب وقت دفع الإيجار", فيما يقول السيد أحمد وهو موظف في إحدى المؤسسات الحكومية "تركنا المنزل الذي كنا نسكن فيه أنا و أسرتي وسكنا بدكان صغير ..لأنني في ظل هذه الأزمة ما عدت أستطيع دفع الإيجارات".
انقطاع السبل وتراكم الديون
بات الطريق أمام العديد من الأسر مغلقاً, في ظل ازمة الحرب التي اعدمت الكثير من فرص العمل, ما عادت الأسر تجد أي طريق للعمل, إلى جانب تراكم الديون التي أصبحت تثقل كاهلهم ويعجزون عن سدادها, " لم أترك باباً إلا وطرقته لكن هذه الأوضاع أقفلت كل أبواب العمل"، كما تقول السيدة هناء.
وكانت الأمم المتّحدة في اليمن قد اعلنت أنّ أكثر من 80% من سكّان البلاد مستدينون، وأكثر من 50% يشترون المواد الغذائية بالدين
" أرهقني التفكير.. لم أجد مخرج من هذا الوضع.. ديون متراكمة في البقالات وفي الصيدليات و.. لم أستطيع سداد شيء", فيما يقول الحاج سعيد البالغ من العمر ستون عاماً " لم أعد أستطيع الخروج من منزلي لكثرة الديون التي يطالبني بها الناس وأصحاب المحلات المجاورة لمنزلي .. ووعودي المتكررة بالدفع عند استلام راتب ولدي" كما يقول أحمد في حديث لشبكة "اعلام السلام".
واقع صعب والهروب منه مستحيل
أصبح واقع الحال في اليمن أليماً بعد انهيار وضعه الاقتصادي, فقر شديد في شريحة واسعة من المجتمع, ناهيك عن انتشار الأوبئة والأمراض وسوء التغذية التي باتت تفتك بالعديد من المواطنين.
أكدت منظمة الصليب الأحمر في اليمن مصرع مئة وثمانين شخصا وإصابة أكثر من أحد عشر ألفا آخرين، بعد تفش خطير لمرض الكوليرا في أربع عشرة محافظة في البلاد. فيما أعلنت وزارة الصحة في صنعاء حالة الطوارئ وناشدت منظمات الإغاثة مساعدتها في التصدي للوباء.
في الوقت ذاته أصبح الهروب من هذا الواقع مستحيلا, بعد تلاشي فرص العمل وإغلاق أبواب الهجرة, يقول عادل البالغ من العمر 38 عاما "واقعنا مرهق وصعب لذلك حاولت مرراً التهرب إلى إحدى دول الخليج المجاورة ...لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل".
مازن طالب جامعي عجز عن شراء كتبه الدراسية وسداد رسوم جامعته, ترك قلمه وأوقف قيده الجامعي ليحاول إيجاد مصدر دخل يعيل منه نفسه و أسرته " بحثت عن عمل في كل مكان حتى في المطاعم ولم أجد فرصة.. لم أتمكن من الدراسة أو العمل.. دائرة مغلقة لا أستطيع الخروج منها".
أصبح الشعور بالإحباط يسود الأسر اليمنية جراء استمرار الحرب وغياب بوادر حل الأزمة في البلاد, ففي كل مرحلة يزداد الوضع سوءاً, ففضلاً عن عجز الأسر عن توفير المسكن والغذاء والدواء أصبح الموت والمرض يهدد الكثيرين, تضيف (ع.أ ) "نحن نتجه نحو مستقبل مجهول قد يقودنا إلى الهاوية", فيما تقول الحجة هنية" ما يفرجها إلا رب العباد".