تُظهر عينيها ملامح التعب والإرهاق وكفاح السنين، رغم انها تغطي كافة جسدها بالخمار الأسود. تتحدث بخجل مع الزبائن وهي تطأطئ رأسها إلى الأرض، ولا يحميها من حرارة الشمس الحارقة سوى قبعة دائرية من الخزف، حيث تواجه كل المتاعب في زحمة السوق الشعبي مع عدد من رفيقاتها البائعات.
وتعاني بائعات اللحوح كثير من المصاعب في عملهن الشاق خلال ساعات نهار رمضان، رغم العائد المادي القليل الذي يعد رمضان موسم للبيع بكثرة بسبب استهلاك كل الأسر اليمنية باعتبارها وجبة أساسية في المائدة الرمضانية، بالإضافة إلى سعرها الزهيد الذي في العادة يكون في متناول الجميع.
اللحوح في مائدة رمضان
"اللحوح" عبارة عن نوع من أنواع الخبز اليمني يتم اعداده من طحين الذرة، وتعتبر جزء أساسي من المائدة الرمضانية لليمنيين، حيث يتم التجهيز منها وجبه تسمى "الشفوت" وتتكون من اللحوح والزبادي أو الحقين بالإضافة إلى السحاوق (صلصة حارة أحد أهم مكوناتها الفلفل الحار الطازج)، ويأكلها بعض اليمنيين مع السلطة.
ويحرص اليمنيون خلال شهر رمضان على اعداد هذه الوجبة كمكون رئيسي في مائدتهم، لذا تعمل غالبية الأسر في المناطق الريفية على صناعة "اللحوح" في المنازل، لكن الذين يسكنون في المدينة يعتمدون على النساء البائعات للحصول على "اللحوح" الطازج بشكل يومي.
وتحولت "اللحوح" إلى مصدر رزق لكثير من النساء البائعات، واللاتي يعملن على اعدادهن وبيعهن في الأسواق الشعبية، حيث تباع الحبة بمائة ريال يمني (أقل من ربع دولار أمريكي)، ورغم العائد المادي الزهيد الذي تجنيه البائعات لكنهن يواصلن العمل من أجل توفير متطلبات معيشة أسرهن، وتشكو النساء من مصاعب ومتاعب كبيرة تواجهها في هذه المهنة الصعبة.
صعوبات ومشاق كبيرة
تقول لطيفة محمد عن معاناتها في العمل كبائعة لـ اللحوح "لا نستطيع الحصول على غاز بسهولة لإعداد اللحوح ونقف لساعات تحت حرارة الشمس مقابل فلوس قليلة ونعاني من صعوبات ومشقات كبيرة اثناء عملنا، تجعلنا نعاني أكثر وخاصة في شهر رمضان".
وأضافت في حديث لـ "بلقيس" ابدأ العمل من ساعات الصباح الأولى في شهر رمضان مع ابنتي لإعداد الكمية اليومية ومن ثم أخرج قبل آذان الظهر للبدء بالبيع حتى قبل الإفطار أو نفاذ الكمية التي ابيعها، وأمضي كل هذه الساعات بين الشمس لكي أستطيع توفير مال نعيش عليه".
"لطيفه" أم لخمسة أولاد، أكبرهم فتاة شابة بالثانوية العامة، زوجها متوفي منذ سنوات في حادث سير، وقالت "إنها تعمل بالمهنة منذ فترة طويلة لكي توفر لأولادها ما يحتاجون وتؤمن معيشتهم" فبعد عدة محاولات في مهن أخرى كالخياطة وغيرها استقرت في المهنة التي اعتبرتها مناسبة لقدراتها رغم الجهد الكبير، على حد تعبيرها.
لا تخجل "لطيفة" من مهنتها التي توفر لها لقمة العيش ولا ترى فيها أي عيب غير أنها ترفض الشفقة من الآخرين والنظر إليها بطريقة مُذلة، وعندما حاولنا تصويرها رفضت وقالت: إنها تخشى من أشياء كثيرة قد تحصل إذا انتشرت صورتها.
وتابعت "الشغل في سوق مزدحم بالناس مرهق ومتعب ولا يخلو من المضايقات المزعجة والسيئة".
ورغم العائد المادي القليل من البيع مقارنة بالصعوبات، غير ان لطيفة تواصل العمل باجتهاد وبشكل يومي وقالت "أحرص على ان لا يفوتني يوم من البيع في شهر رمضان لأنه موسم طلب كبير وكل الناس يشترون لذا يكون العائد المادي أفضل بكثير من الأشهر الأخرى".
اقبال الناس على الشراء
وبما أن الكثير من الساكنين في العاصمة صنعاء، لا يهتمون كثيراً بإعداد اللحوح نظرا لاحتياجاتها الخاصة التي لا تناسب كثير من الأسر، لكنهم يعوضون ذلك بالشراء من السوق وبشكل يومي، لأنها تعد الوجبة الأشهر في المائدة الرمضانية اليمنية في غالبية المحافظات.
ويقول "محمد الصلوي" موظف في شركة أدوية "دائما عندما أمر على السوق اشتري اللحوح سواء في شهر رمضان او غيرة لأني أفضلها كثيرا ففي العادة نصنع منها وجبة "الشفوت" أو أتناول بها أي من المطبوخات التي بحاجة إلى خبز، فأستبدل اللحوح".
وأضاف في حديث لـ"بلقيس" أن اللحوح صحي أكثر من أنواع الخبز الأخرى، لاحتوائه على أنواع من الحبوب وخاصة الذرة البلدية البيضاء، وهي لها فوائد كبيرة ولها قيمة غذائية مرتفعة وفيها معادن وبروتينات، لذا هي وجبة غنية ومهمة وفي رمضان نفضلها جميعاً.
ويثق "الصلوي" بالنساء البائعات للحوح لأنهن أكثر معرفة بطريقة أعدادها، وأشار إلى "ان كثير من البائعات يصنعن اللحوح باقتدار" ووصفهن بالمناضلات من أجل توفير هذه الخدمة للكثير من الأسر التي تعتمد كلياً على عملهن.
ويقدمن بائعات اللحوح خدمة مجتمعية يستفيد منها كثير من الناس، في الوقت الذي تمر حياتهن بمصاعب كبيرة فبعضهن يعملن تحت ضغوط الحياة السيئة والحاجة إلى المال، وخلال السنوات الماضية من الحرب اضطرت الكثير من النساء للعمل في مهن لم تكن معتادة عليها من قبل لمواجهة ظروف الحياة السيئة.