في هذا السياق، أكدت مصادر حزبية لـ"العربي الجديد"، أن "تواصلاً حثيثاً تجريه قيادات في حزبي الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري والعديد من الفعاليات المدنية والمكونات، تحضيراً للإعلان عن تحالف سياسي جديد في محافظة تعز، التي تعد من أبرز المحافظات المتضررة من الحرب، وتتمتع فيها القوى والأحزاب السياسية بحضور متفاوت، وخصوصاً أحزاب اليسار".
وفي وقتٍ أعلن الحزب الاشتراكي اليمني رسمياً عن أنه "سيتم الإعلان عن التحالف رسمياً خلال أيام"، أفادت مصادر قريبة من الحزب لـ"العربي الجديد"، بأن "أبرز مكونات التحالف، هما حزبا الاشتراكي والناصري (بغياب الإصلاح ما لم تطرأ تطورات بانضمامه)"، موضحة أن "فكرة التحالف لم تكن محدودة بتعز بالضرورة، غير أن الرؤية استقرت على تحالف في المحافظة في ظلّ المعوّقات التي يواجهها النشاط الحزبي في أغلب المحافظات، وعلى رأسها مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومثلها المحافظات الجنوبية التي تنشط فيها مكونات ذات طبيعة محلية أو داعية للانفصال".
من جانبه، أفاد تقرير نشره الموقع الرسمي للحزب الاشتراكي أخيراً، بأن "التحالف المزمع الإعلان عنه في تعز يضمّ مختلف القوى السياسية والاجتماعية في المحافظة"، مشيراً إلى أنه "سبق أن عكفت لجنة سياسية من جميع المكونات على إعداد برنامج عمله ليشكل بذلك رافعة سياسية وطنية تسعى إلى تحقيق أهداف المرحلة وفي مقدمتها استكمال عملية تحرير المحافظة. وأنه يسعى إلى تعزيز القواسم المشتركة وإسناد السلطة المحلية الشرعية في استعادة الدولة والتخفيف من معاناة الناس وإنفاذ القانون في المناطق المحررة".
وتطرق الاشتراكي إلى مراحل التحضير، مشيراً إلى أنه "جرى تشكيل لجنة من مختلف القوى السياسية، لدراسة الرؤى المقدمة من المكونات للخروج برؤية مشتركة سوف ينبثق منها التحالف السياسي". وأضاف أن "خلق جبهة وطنية عريضة أصبح مسألة ملحة بالنظر إلى ظروف المرحلة التي تمر بها بلدنا اليمن، وبالنظر أيضاً إلى حجم المهام وطبيعتها والتي تجعل من قبيل الاستحالة على أي طرف مهما امتلك من إمكانيات أو قدرات أن يتصدى لتلك المهام بمفرده أو أن يخلق حلولاً ومعالجات لمشاكل الناس".
وتابع أنه "بوجود مثل هذه الجبهة سيستعاد العمل السياسي تدريجياً بعد أن عملت الحرب على تنحيته جانباً، وخلق أمر واقع تتحكم بمفاعيله تكوينات مليشياوية محتربة لا تملك مشروعاً حقيقياً". وقال إن "التحالف سيعمل على توجيه رسائل تطمينية إلى مختلف الاتجاهات، ولعلّ أبلغها تلك الرسالة التي ستوجه إلى الداخل عبر طمأنة الرأي العام بأن الحياة ستعود بالتدريج إلى طبيعتها، وأن الآتي سيكون أفضل".
ويُعدّ الاشتراكي والناصري أبرز حزبين يمثلان اليسار في اليمن، وجاء حديث الأول عن قرب الإعلان عن تحالف سياسي بتعز، بعد أيام من تصريحات للأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري عبدالله نعمان، عن "ترتيبات يجريها التنظيم إلى جانب الاشتراكي، للإعلان عن تكتل وطني للعديد من القوى السياسية المؤيدة للشرعية، يتمحور حول القضايا التي سبق أن أعلن الحزبان منها مواقف مشتركة، عبر ما سُمي (إعلان القاهرة)، والذي جاء بعد اجتماعات عقدتها قيادة الحزبين في العاصمة المصرية".
ولعل أبرز ما في التحالف الجديد، جمعه الناصري والاشتراكي، بعيداً عن حزب التجمع اليمني للإصلاح (المحسوب على الإخوان المسلمين)، وكانت الأحزاب الثلاثة (الإصلاح والاشتراكي والناصري)، أبرز مكونات لتحالف "أحزاب اللقاء المشترك"، الذي أُعلن في اليمن عام 2003، وضمّ أحزاب المعارضة كسابقة سياسية من أبرز التحولات خلال العقدين الماضيين، غير أن تكتل "المشترك" بدأ بالتفكك والتراجع فعلياً منذ قيام ثورة فبراير/ شباط 2011، التي أوجدت واقعاً جديداً في البلاد.
ومع ذلك، كان لافتاً أن تصريحات الاشتراكي تحدثت عن أن "التحالف في تعز سيضمّ مختلف القوى"، وهو ما قد يوحي باحتمال انضمام الإصلاح إليه، خصوصاً بعد إصدار فرع الحزب بتعز، يوم الثلاثاء الماضي، بياناً أشاد فيه بدور الإمارات مهاجماً الأطراف التي توجه الانتقادات لأبوظبي على خلفية العديد من الملفات والسياسات. وذكر الاشتراكي أن الأطراف في "تعز وفي مقدمتهم التجمع اليمني للإصلاح يرون في دولة الإمارات شريكاً أساسياً في عملية التحرير"، فيما لاقى البيان نقداً لاذعاً من نشطاء محسوبين على الإصلاح في مواقع التواصل الاجتماعي.
يُذكر أن التنسيق الناصري - الاشتراكي كان قد بدأ بالفعل منذ أشهر طويلة، مع انعقاد لقاءات قيادية في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وهو ما يعدّ مؤشراً مهماً على افتراق الحزبين عن حزب الإصلاح، بفعل فقدان الانسجام بين الإصلاح وحلفائه سابقاً في المشترك لأسباب عدة، مرتبطة بطبيعة كل مكوّن وبالوضع الذي تعيشه البلاد والظروف الإقليمية والدولية، بما فيها النفوذ السعودي الإماراتي في اليمن، في وقت تتبنّى فيه الأخيرة (أبوظبي) حملة عدائية ضد الإصلاح باعتباره محسوباً على الإخوان.
على الضفة الأخرى في مناطق سيطرة الانقلابيين، بدت التحالفات هي الأخرى مرشحة للتبدل، مع تصاعد الخلافات بين الحوثيين وحزب صالح، وفي ظل سعي الأخير لاستعادة نشاطه الحزبي على نحو يثير حفيظة الحوثيين، الذين كانوا قد تحولوا إلى المسيطر الأول في صنعاء والعديد من المحافظات شمال البلاد، منذ اجتياحهم للعاصمة في سبتمبر/ أيلول 2014، وفي مرحلة الحرب التي تلت ذلك.
وفي ظل هذه التطورات، بدا واضحاً أن النشاط الحزبي يحاول أن يجد طريقاً للعودة إلى العمل السياسي بعد سنوات من حرب هي الأكبر في تاريخ البلاد، تراجعت معها القوى والأنشطة السياسية لصالح المليشيات والمجموعات المحتربة والتدخل الخارجي، وبذلك فإن العودة بغض النظر عن طبيعة تحالفاتها تمثل، بنظر العديد من اليمنيين، ظاهرة إيجابية، لكن التحديات أمامها ليست بالهينة، وليس أقل انعكاساتها الثقيلة الانقسام وفقاً للسيطرة العسكرية. فحزبا الناصري والاشتراكي يحضّران لتحالف في تعز فيما يتركز نفوذ حزب الإصلاح في مأرب ومحافظات أخرى، في مقابل نفوذ حزب صالح في مناطق سيطرته إلى جانب الحوثيين، في هذه المرحلة على الأقل. أما في الجنوب فتواجه مجمل الأحزاب تحدياً كبيراً يتمثل بكون الحراك السياسي الحاصل في تلك المحافظات وبدعم مباشر أو غير مباشر من التحالف، والإمارات على وجه التحديد، يتخذ طابعاً مناطقياً أو داعياً إلى الانفصال، كما هو حال "المجلس الانتقالي الجنوبي"، بعدن، وكذلك "مؤتمر حضرموت الجامع" في الشرق.