غير أن المعطيات الميدانية خاصة تقول غير هذا، فلا يمكن أن تمنح السياسة واقعا جديدا لا يمنحه السلاح.. إننا لا يمكن أن نتوصل قريبا إلى جملة همنجواي الشهيرة "وداعا للسلاح"، ذلك أن جماعة الحوثي التي تمددت عبر السلاح لا يمكنها تركه.. من هنا يمكن العودة إلى البدايات الأولى لتأسيس حركة الشباب المؤمن "الحوثيون" مطلع التسعينيات على يد حسين الحوثي.. لقد كفر حسين الحوثي بالسياسة وترك مجلس النواب بعد أن كان الرجل الثاني في حزب الحق وغادر البيانات والتنديدات والتصريحات وترجل نهائيا من السياسة إلى العمل الميداني.
بدأ إعداد المقاتلين بعد أن غادر السياسة نهائيا، واتصل بإيران وزارها آنذاك.. هؤلاء المقاتلون سيكونون وقود الحرب لسنوات طوال، ستقاتل الحركة الحوثية كحركة العقيد أورليانو بوينديا في الجبال والقرى، لا لتؤسس مبادئ ليبرالية حديثة، بل لتعود بالزمن إلى الوراء، مستعينا بذلك بإنسان صعدة، ذلك الإنسان الذي نشأ في مدينة نائية، في مدينة من الصعب جدا أن ترى فيها ملامح الحضارة المدنية، التي توجد في بعض مدن الجنوب والوسط.
لكن صعدة المدينة النائية التي استيقظت بعد عقود وقد حملت في بطنها نواة فكرة لن تجهض الحقيقة الجمهورية المولودة منذ نصف قرن في اليمن فقط، بل ستمتد أياديها الجارحة إلى البلدان العربية والخليجية تحديدا.
لقد كان دفاع الجنود والمتطوعين عن صنعاء في حقيقته دفاعا عن الجزيرة العربية ككل، وكانت صنعاء بوابة الدخول الأولى لإقلاق الجزيرة العربية بهذا المولود الإيراني.
في هذه الظروف كان تدخل التحالف العربي عسكريا ضروري لحماية نفسه أولا، وإن القوة هي الحل الوحيد لردع هذا النتوء السرطاني، إذ لا يمكن التعايش مع جماعة لم تراعِ الحد الأدنى حتى في مجمل المبادئ الإنسانية، اعتقلت الآلاف واختطفت الآلاف أيضا، ولم تكن لديها أدنى مسؤولية تجاه المدنيين والنازحين والمعارضين السياسيين، حتى أنها لم تلتزم منذ بداية حروبها بأدنى معايير الحروب العادلة، أو أخلاقيات الحروب إن صحَّت التسمية، وتجاهلت كل ذلك التراث المتراكم من مبادئ الحروب العادلة منذ آلاف السنين.
لست بحاجة لسرد الانتهاكات الإنسانية التي حدثت على يد المليشيا، ولست بصدد شرح ظروف التدخل الإنساني العربي الذي كان لابد أن يكون، لكنني أدرك أن اليمن وهي في هذه المرحلة التاريخية المهمة وما حدث خلال الأعوام الأخيرة كان يستدعي تدخلا عربيا وعالميا، لإنقاذ ما تبقى من وطن وكرامة وأحلام شعب منفيٍ ومنهك.
إن لم يقف العالم في وجه هذه المليشيا، فإننا مؤمنون بأن الرصيد الإنساني الذي استقيناه من مبادئ العالم المتقدم يقودنا إلى الإيمان بضرورة مناهضة هذه الأفكار السلالية التي تبشر بها جماعة الحوثيين في اليمن بالتحالف مع صالح، الرجل الذي عبر به الانتقام إلى النصف الآخر من الجحيم.
ولذا لم يكن أمام اليمنيين لدحض هذا التورم في مفاصل الدولة ومؤسساتها وتاريخها القديم والحديث سوى هذه الحرب التي كانت هي الحل الأوحد والأسرع.
نعم إنها الحل الأوحد..
لقد دون ليون ويسلتير على واجهة إحدى الصحف: لغرض وقف الإبادة الجماعية، فإن استخدام القوة ليس حلاً أخيرا، بل إنه الخيار الأول.