ورغم حساسية التدخلات السعودية في اليمن، إلا ان ذلك جاء بعد توغل مليشيا الحوثي والمخلوع صالح في الدولة اليمنية واحتلالها مدن ومحافظات بينها العاصمة صنعاء.
جاءت عملية عاصفة الحزم بعد إعلان المليشيا الحرب على اليمنيين بداية من صعدة حتى وصلت إلى عدن، وخلالها قتلت وفجرت عدة منازل ودور للقرآن الكريم.
وفي إطلالة شبه يومية، كان المتحدث باسم التحالف، اللواء أحمد عسيري، يتصدر وسائل الإعلام، موضحا الأهداف الحقيقية للتحالف ومفصلا أماكن الضربات الجوية وآثارها.
سيطرة كلية على الأجواء اليمنية، وضربات شملت مختلف المحافظات والمواقع التي يتحصن فيها عناصر مليشيا الحوثي والمخلوع صالح.
لكن خلال أقل من شهر من بدء العملية، فاجأ التحالف متابعيه بإعلانه انتهاء عاصفة الحزم وبدء عملية جديدة أطلق عليها لقب "إعادة الأمل".
وجاء في بيان لوزارة الدفاع السعودية إن عاصفة الحزم أزالت التهديدات الموجهة للمملكة ودول الجوار وحققت معظم أهدافها.
وأوضح البيان أن العملية العسكرية جاءت لإنقاذ الشعب اليمني وإعادة الشرعية وأنها أزالت التهديدات على المملكة ودول الجوار وتمكنت من تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية للمليشيا.
إلا ان الشرعية لم تعد إلى صنعاء، واستمرت العمليات العسكرية في وقت لاحق بوتيرة أكبر بما في ذلك الضربات الجوية وإطلاق الصواريخ الباليستية على أراضي المملكة.
شيئا فشيئا، طالت العمليات وتوسعت في أكثر من اتجاه، وتعقد الملف اليمني على المستوى الإقليمي والدولي، وتقارب الآن العمليات الثلاث سنوات دون ان تحقق أهدافها المعلنة كاملة، والأهم اتخاذها مسارات وأهداف أخرى غير معلنة.
يمكن القول ان من أبرز سماتها تواري السعودية عن المشهد، وتصدر الإمارات للأحداث في اليمن خاصة في المحافظات الجنوبية والسواحل الغربية تحديدا.
ولم يعد سرا الحديث عن انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الانسان وانحراف بوصلتها العسكرية من خلال محاولاتها السيطرة الكلية على الجزر والمناطق الحيوية.
كل ذلك، والسعودية غائبة عن المشهد، بل سجلت دوائرها إجراءات جديدة بحق اليمنيين في أراضيها دون اعتبار للأوضاع الانسانية في البلاد.
على سبيل المثال، فرضت رسوم جديدة على الوافدين، وهي إجراءات لا تشمل اليمنيين وحدهم فقط، لكنها تستهدفهم بدرجة أساسية بحكم العدد الكبير للمغتربين اليمنيين المتواجدين في أراضيها.
إضافة إلى أعداد متزايدة في الثلاث السنوات الأخيرة نتيجة الحرب التي تشنها المليشيا على اليمنيين وتدخلت السعودية فيها كعامل إنقاذ وطوق نجاة.
وبالتالي، يعتبر مراقبون ان الموقف الأخلاقي كان يحتم على السلطات السعودية ان تستثني اليمنيين من هذه الاجراءات التي تدفع الآلاف منهم للمغادرة إلى المجهول.
وخلال اليومين الماضيين، أعاد فيديو مهين لأمير سعودي ضد مقيم يمني التذكير بعذابات المغتربين ومآسيهم أثناء محاولات اجتياز حدود المملكة.
وأثارت الحداثة غضب الناشطين بعد انتشار مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال اليمني جمال سنان ويعمل سائقا، إنه تعرض للضرب وسيل من الألفاظ والشتائم من قبل أمير سعودي فيما أظهر الفيديو دماء وكدمات على وجهه وجسده من آثار الضرب.
وناشد سنان بصوت متهدج في مقطع فيديو نشره على صفحته في تويتر، العاهل السعودي وولي عهده، بإنصافه من الأمير الذي اعتدى عليه دون سبب.
*** التحالف الأعمى
هذا فقط جزء من انتهاكات كثيرة تحدث. الأهم ان انحراف بوصلة التحالف ليس على مستوى الأهداف فحسب، بل حتى الغارات الجوية، والتي عادة مابات يرافقها وصف "التحالف الأعمى" نتيجة استهدافها للمدنيين.
مئات المدنيين تقريبا قضوا في غارات جوية متكررة للتحالف كانت توصف في البداية بأنها خاطئة، لكن مع تكرارها في العديد من المحافظات، أثارت التساؤلات فيما إذا كانت مقصودة.
مئات المدنيين تقريبا قضوا في غارات جوية متكررة للتحالف كانت توصف في البداية بأنها خاطئة، لكن مع تكرارها في العديد من المحافظات، أثارت التساؤلات فيما إذا كانت مقصودة.
وكانت التساؤلات والتعليقات تتحدث عن وجود اختراقات داخل قوات التحالف أو تساهل في تحديد الاهداف مما يتسبب في كوارث انسانيه يسقط جراءها أبرياء.
ضربات جوية متكررة دون التحقيق في أسبابها مؤشر خطير على ان هناك من يحاول العبث. وليس مبالغة القول أنها أعادت الحياة للمليشيا وخدمت مشروعهم، كما خدمت مشروع إيران وأطالت أمد الحرب.
آخر هذه الضربات الجوية للتحالف كانت في مديريتي الخوخة وموزع، وقد أودت بحياة 28 شخصا على الأقل.
ويبدو ان ملف التحالف مثقل بالانتهاكات في أروقة الأمم المتحدة، حيث طالبت الأمم المتحدة بإجراء تحقيقٍ شامل ونزيه في جميع الغارات الجوية التي شنها التحالف العربي في اليمن وأدت الى سقوط ضحايا مدنيين.
وجاء الطلب على خلفية الغارة الجوية التي أدت إلى استشهاد نحو عشرين نازحا في مديرية موزع غرب محافظة تعز قبل نحو أسبوعين.
كما أعربت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن صدمتها وحزنها لمقتل عشرين مدنيا بينهم نساء وأطفال بغارة جوية شنتها مقاتلات التحالف العربي غرب تعز.
ومثل هذه الغارات المتكررة للتحالف باتت محاطة بمطالبات عديدة لإجراء تحقيقات عادلة ومستقلة وضرورة رصد وتوثيق الانتهاكات التي ترتكب بشكل متكرر وهي أيضا محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي.
ومن الواضح ان التحالف أغفل الجانب الحقوقي تماما في عملياته وهو ما استغله الانقلابيون بشكل كبير وحققوا عبر الملف الحقوقي أهدافا كثيرة وكان لهم حضور قوي في المنظمات الحقوقية وفي المحافل الدولية.
وحاليا، يبدو كما لو ان السعودية تخلت عن الملف اليمني تماما وتركته للإمارات تعبث في الخارطة كيفما تشاء، خاصة بعد دخول الدولتين إلى جانب البحرين ومصر في خلافات متصاعدة مع قطر.
وكانت الدول الأربع قد قطعت بداية يونيو الماضي علاقاتها مع قطر بدعوى "دعمها للإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة، معتبرة أنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب تهدف إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
كما أعلنت قيادة التحالف العربي إنهاء مشاركة قطر ضمن عملياته في اليمن. وجاء في بيان لقيادة التحالف، نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "تعلن قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن أنها قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب، ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها "القاعدة" و"داعش" وتعاملها مع المليشيات الانقلابية مما يتناقض مع أهداف التحالف التي من أهمها محاربة الإرهاب".
لكن ربما نسي التحالف أن من بين أهم أهدافه وتدخله في اليمن هو إعادة الشرعية بقيادة الرئيس هادي إلى العاصمة صنعاء، وحماية حدود المملكة بتحييد القدرة الصاروخية للمليشيا وإنهاء سيطرتها على المدن الرئيسية وتسليمها السلاح الثقيل للدولة.
والمؤكد ان تحقيق هذه الأهداف كاملة مازالت بعيدة عن أعين التحالف بعد ان انحرفت بوصلته في اليمن لصالح دولة الإمارات ولأهداف وغايات أخرى غير معلنة.