أميركا في صورتها القديمة منذ العقدين الأخيرين وخاصة في نظر الإنسان العربي هي دولة تسعى لمصالحها الاستعمارية، ونهب ثروات الدول الضعيفة.. ما فعله ترمب مؤخرا مع السعودية ومحاولته ابتزاز المملكة لا يخرج عن كونه تعزيزا لهذه الفكرة. أميركا في تناقضاتها تدعم أنظمة ديكتاتورية، وتطيح بأنظمة أخرى للسبب ذاته. أميركا داخليا تحارب العنصرية، لكنها تدعم الكيان الأكثر عنصرية في الشرق الأوسط وهو إسرائيل. هذه الصورة الراسخة اليوم لدى الإنسان العربي هي ناتجة عن سياسة أميركا الخارجية. لست هنا بصدد الحديث عن تجليات الصورة الأميركية التي رسمتها أميركا ذاتها لنفسها في العراق خلال أكثر من عقد، فأميركا ارتضت أن تظهر في العراق بصورة "سجن أبو غريب" والانتهاكات الواسعة التي رافقت فترة تواجد القوات الأميركية فيها، كما ارتضت أن تبدو بصورة المنقذ الذي يحمي الشعوب ليفترسها متى ما سنحت له الفرصة.
لست مواطنا أمريكيا لأتحدث عن أميركا باعتبار قيمها الداخلية تجاه مواطنيها، فأنا أعرف أن شعب أميركا ليس الحكومة الأميركية، بل سأتحدث عما فعلته أميركا ببلدي "اليمن".
الدولة اليمنية الخارجة من رحم ثورة فبراير ضمنت مشاركة سياسية واسعة للحوثيين في تقرير مستقبل اليمن، لكنهم فضلوا الغدر بالعملية السياسية الوليدة، وانقلبوا على إجماع اليمنيين وأطلقوا رصاصة الحرب.
منذ ثلاث سنوات تحكم مليشيا قادمة من عمق التاريخ العرقي العنصري بلدي اليمن، وهي تنادي بأحقية عرق معين في الحكم، وإقصاء كل الأطراف الأخرى خارج منظومة الحكم والشراكة السياسية الحقيقية.. لكن المجتمع الدولي وخصوصا أميركا والذين أصدروا قرارات بضرورة انسحاب المليشيا، وتسليم مؤسسات الدولة لم يعملوا على تنفيذ هذه القرارات، بل جاء الموقف الأميركي في كثير من الأحيان مراوغا ومداريا للحوثيين، بدءا من الموفد الأممي جمال بن عمر، والذي كان له دور في تنفيذ أجندة أمريكية تجاه التساهل مع مليشيا الحوثي، وتحديد طبيعة الصراع الدائر منذ خمسة أعوام، باعتباره صراعا بين قوى سياسية وقبلية خارجة عن إطار الدولة، لقد ابتدأت الحرب في صعدة ودماج ثم عمران، ووصلت حتى إلى العاصمة صنعاء، وألغت المليشيا كل ما من شأنه إبقاء فكرة الدولة في أدنى مستوياتها. هذه إرادة أميركا التي لا يُعلى عليها.
لقد تغاضت أميركا عن الانتهاكات الواسعة بشأن حقوق الإنسان التي تمارسها المليشيا، وكانت سياسة أميركا تتجه الى إشراك الحوثيين في العملية السياسية، باعتبارهم أقلية لها حق المشاركة، ولم يكن هذا هو المغزى الأخير، لأن الدولة اليمنية الخارجة من رحم ثورة فبراير ضمنت مشاركة واسعة للحوثيين في تقرير مستقبل اليمن، حيث تم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني كقوى سياسية مستقلة، لكنهم فضلوا الغدر بهذه العملية السياسية الوليدة، وانقلبوا على الوثيقة التي تمثل إجماع اليمنيين حول شكل الدولة الجديدة وأطلقوا رصاصة الحرب.
صرحت أميركا بمساندتها للشرعية، لكنها لم تكن جادة في الضغط على قادة المليشيا لإنهاء هذه الحالة الشاذة في البلاد. لم تنجز قيم المجتمع الدولي وأميركا وزيارات موفديهم لبلدي شيئا، ولم تستطع إيقاف عبث المليشيا بكل شيء، بل هناك مساندة خفية لهذه التحركات التي يقوم بها الحوثيون... اليمنيون يدركون جيدا من يقف بجدية مع قضاياهم ومن يرى فيها مرحلة تقتضي مزيدا من الفهلوة السياسية لتنفيذ سياسات معينة بعيدا عن مفهوم القيم الإنسانية... ليفكر الأميركان جيدا حيال سياساتهم الخارجية قبل أن يتساءلوا: لماذا يكرهنا العرب؟