بَيْدَ أن التاريخ -في الوقت ذاته- سيُحقّر اسم الطاغية المغولي هولاكو الذي أهدر أنفس النفيس من كنوز التراث العربي والاسلامي (بما تحويه من خبرة وابداع خيرة العلماء والأدباء والفلاسفة) في نهر دجلة الحزين منذ ذلك الحين.
قد تَرِد أسماء أدولف هتلر وجنكيز خان وراسبوتين وايرئيل شارون في كتب التاريخ لمئات السنين المقبلة، لكنها سترد حتماً في أحلك الصفحات قتامة في هذه الكتب.. فيما ترد في أنصع صفحاتها وأشرقها أسماء توماس أديسون والكسندر فليمنج وبابلو بيكاسو وعبدالرحمن بن خلدون.
إن تاريخ الشعوب لا يذكر بلغة التقدير سوى صُنّاع حضاراتها وبُناة مجتمعاتها وحُماة خيراتها ومُبدعي تراثها.. لكنه يُسطّر بلغة التحقير ذكرى الطغاة والبغاة والجبابرة ممن حكموها بحديد الجور ونار الجوع ووحل الذل وسُخام الحرمان.
ذات يوم، روى الشاعر الفرنسي الفذ فرانكو ماريا فولتير أنه سمع بعض أهل النخبة يحاولون الاجابة عن سؤال: من هو أعظم رجل؟.. يوليوس قيصر، أم الأسكندر، أم تيمور لنك، أم كرومويل؟
وحين أحتدم الخلاف بين الجميع في تحديد الرجل الأعظم، قال أحدهم: إن اسحاق نيوتن هو أعظم رجل بلا شك.
حين يحتدم الخلاف حول اعظم رجل في اليمن سيأتي إليهم من يخبرهم بأن أعظم من عرفت اليمن لم يكن رجلاً.. إنما كانت امرأة
وقد أتفق فولتير مع هذه الاجابة، مُنوّهاً بأننا ندين بالفضل للرجل الذي حكم عقولنا بقوة الحقيقة.. وليس لأولئك الرجال الذين أستعبدونا بقوة العنف.
ولعلّ ذلك -في رأيي- ما دعا الدكتور مايكل هارت إلى وضع اسم اسحاق نيوتن بعد اسم النبي محمد وقبل اسم النبي عيسى في الكتاب الذي أصدره في الولايات المتحدة سنة 1978 بعنوان "المائة الأوائل" مُستعرِضاً فيه سِيَر أهم مائة شخصية أثّرت في حياة الشعوب والمجتمعات ومجرى التاريخ البشري -سلباً وايجاباً- منذ ما قبل الميلاد وحتى القرن الماضي.
إن الطاغية سيظل ملعوناً في حياته وبعد مماته، كما حدث للحجاج بن يوسف الثقفي الذي أرسى قواعد بالغة القسوة والخسّة لديكتاتورية الدولة ونظام الحكم في التاريخ العربي والاسلامي، ثم سارت جنازته المشؤومة في طريق آهلة بالسكان والعمران، فكانت سبباً في دكّها صفصفا!
التاريخ يجيد ابداع أروع آيات التوقير.. لكنه أيضاً يُبالِغ في ممارسة أنكأ صور التحقير.
سيتساءل اليمنيون بعد زمن:
-من هو أعظم رجل في تاريخ اليمن؟
وحين يحتدم الخلاف جراء الاختلاف بهذا الشأن، سيأتي إليهم من يخبرهم بأن أعظم من عرفت اليمن لم يكن رجلاً.. إنما كانت امرأة!
يمن مونيتور