إنها المرة الأولى في تاريخ نزاعات الشرق الأوسط أن تتحالف عدة دول عربية لإعلان الحرب الضروس إعلاميا على وسيلة إعلام (محطة الجزيرة الفضائية) عربية خليجية، مطالبة بإسكاتها والقضاء على موظفيها، لمجرد أن تلك المحطة بينت عورات الإعلام الحكومي البغيض، وأشهرت راية حرية الكلمة وحرية التعبير ضمن الأخلاق المتعارف عليها إعلاميا.
وتصل سهام تلك الحرب إلى صانعي القرار في العواصم المحاصرة لقطر ليتبنوا مطلب الإسكات وتدمير المحطة التلفزيونية؛ لأنهم يخافون من الكلمة الصادقة والرأي الحر.
لقد أرادوا منافسة الجزيرة الفضائية القطرية، وأسسوا محطات، منها على سبيل المثال لا الحصر: العربية، سكاي نيوز عربي، mbc، الإخبارية...إلخ، لكنها لم تستطع إخراج الجزيرة من دائرة المشاهد العربي والأجنبي، وفشلوا في محاولاتهم. كنت أتوقع من كل من يشتغل بالقلم الإصرار على مطالبة النظم السياسية العربية بإطلاق حرية التعبير وحرية الرأي بدلا من المطالبة بتكميم الأفواه وإغلاق الجزيرة. لقد أصبحت الجزيرة ملكا للشعب العربي لا يستطيع حاكم قطر إغلاقها أو التدخل في سياستها التحريرية، وأصبح المواطن العربي مرتبطا بها كما كان سابقا مرتبطا بمحطتي BBC وCNN وغيرهما من المحطات الأجنبية التي تخلط الصواب بالخطأ فيتشوش عقل المواطن البسيط ويصدق كل ما يقال له عبر تلك الوسائل.
(2)
إلى جانب الحرب الإعلامية التي تشن على قطر لتشويه سمعتها ومكانتها العربية والدولية، فإن حربا اقتصادية قد أعلنت فعلا بإغلاق المجالات الجوية والبحرية والبرية من وإلى قطر، وسحب مواطني دول المقاطعة من قطر وطرد القطريين من تلك الدول أيضا، عدا مصر، وراح وزرائها يجوبون عواصم العالم يمارسون ضغوطهم على الشركات التجارية العملاقة التي لها فروع في قطر مطالبين تلك الشركات بالاختيار بين البقاء في قطر أو الطرد من تلك الدول. وهذا يناقض قوانين منظمة التجارة العالمية، ولست بصدد شرح المواد القانونية المتعلقة بهذا الشأن في ميثاق المنظمة المعنية.
أرادوا منافسة الجزيرة الفضائية القطرية، وأسسوا محطات، لكنها لم تستطع إخراج الجزيرة من دائرة المشاهد العربي والأجنبي، وفشلوا في محاولاتهم
إن محاصرة دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي من قبل أشقائها في المجلس يعتبر خروجا عن النظام الأساسي المشكل لذلك المجلس. ونسمع من وقت إلى آخر أن تلك الدول الثلاث المحاصرة لقطر سوف تطرد / تعلق عضوية دولة قطر في مجلس التعاون. لكن ماذا سيضير قطر من تعليقها في منظومة مجلس التعاون أو خروجها منها؟ أما جامعة الدول العربية فإذا علقت عضوية قطر أو أخرجتها من الجامعة العربية فإنها على الأقل ستوفر 3 ملايين دولار حصتها في ميزانية الجامعة، وجملة القول في هذا المجال: المنظمة التي لا تحميني ليست جديرة بعضويتي فيها.
لست أدري ما الضرر الذي سيصيب دول مجلس التعاون من انعقاد دورة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 في قطر، أليست قطر دولة عربية خليجية استطاعت المنافسة مع دول أكبر منها حجما ومالا واستطاعت الحصول على إجماع مجلس الفيفا لانعقاد تلك الدورة في قطر؟ فلماذا يا عرب النفط تعملون بكل جهودكم الشريف منها والخبيث على إفشال انعقادها في قطر؟ أليس الفخر لكم أيها العرب أم أن الحقد والحسد والغيرة من أخلاقكم، قل موتوا بغيظكم وسنسير في تنظيم تلك المظاهرة العالمية بكل جهودنا، والله معنا.
أحد الكتاب الميامين يطالب بإيقاف مشروع خط الغاز بين قطر والإمارات، والمسكين لا يعلم أن قطر تزود الإمارات الشقيقة بـ40% من حاجتها لإنتاج الكهرباء في الإمارات. ولو أوقف ذلك المدد لساد الظلام معظم مدن الإمارات لا سمح الله. وأما مشروع تحلية المياه الذي يطالب المسكين بوقفه، فليعلم علم اليقين أن قطر لديها أكبر مفاعل لتحلية مياه البحر في المنطقة. وأنا أطلب منك أن تراجع دروسك ومعلوماتك عن الخليج.
(3)
ثلاثة وزراء خارجية من الدول المحاصرة لقطر يتسابقون على العواصم الغربية ليحرضوا على قطر ويقدمون لها وثائق مزورة تتهم قطر بأنها ممولة للإرهاب ومأوى للإرهابيين، والغرب لن يأخذ تلك المعلومات محمل الجد؛ لأنها قدمت لهم في زمن الخصوة الحاقدة.
الغرب والأمريكان سيستخدمون الدول الخليجية المتخاصمة لتقديم معلومات عن بعضهم، صحيحة أو مزورة، عن الإرهاب والإرهابيين وعن طرائق التمويل. وفي نهاية المطاف سيعصفون بالكل تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وأنتم شهود على بعضكم. لن تكون قطر الخاسرة وحدها وإنما كلكم ستخسرون. والسؤال: هل يمكن أن تحكّموا العقل وتعودوا إلى طاولة المفاوضات لتوحدوا صفوفكم لما يعد لكم من دمار سرا وعلانية؟
آخر القول: ما برحت أعلق آمالا كبيرة على خادم الحرمين وولي عهد الأمير محمد بن سلمان بحل هذه المصيبة التي حلت بالخليج. أتمنى أن يقوم الأمير محمد ولي العهد السعودي بتسجيل اسمه في أول صفحات تاريخه السياسي بأنه أنقذ الخليج من كارثة محدقة به، والالتقاء بإخوانه في الدوحة. وله في سنة الملك فيصل رحمه الله التي سنها قبله مثالا، عندما كانت حرب اليمن في مطلع ستينيات القرن الماضي على أشدها مع عبد الناصر. فالتقى ناصر وفيصل وصفيا الحساب، وأُنهيت الحرب في أقل من 24 ساعة، فهل نعتبر من هذا التاريخ؟!