تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وهي أيضاً أكبر مشتر للأسلحة في العالم، والقوة الرائدة في شبه الجزيرة العربية، لا يمكن المساس بها بمقدار ما يمكنها الاعتماد على دعم دونالد ترامب الكامل في حربها لاحتواء النفوذ الايراني. لكن، أمام صدمة هذه الجريمة الشنيعة التي ارتكبت في مقر القنصلية السعودية في اسطنبول من قبل كوماندوز من الرياض، فقد بدأ النقاش حول اتخاذ عقوبات ضدها، ابتداء من مبيعات الأسلحة.
لقد تم التهرب من هذه القضية لفترة طويلة جداً، بينما قادت الرياض، على مدى أربع سنوات، بمبادرة من محمد بن سلمان نفسه، حرباً قذرة في اليمن لتكميم المتمردين الحوثيين الذين تحميهم طهران. لم تنجح حتى الآن هذه المأساة التي نددت بها الأمم المتحدة بأنها أسوأ مأساة إنسانية في الوقت الحالي، في تحريك الآراء الغربية أو حكوماتها. إن المنظمات غير الحكومية فقط هي التي تكافح في لامبالاة عامة للمطالبة بوقف شحن الأسلحة التي تغذي المذبحة التي لا نهاية لها.
تدافع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل علناً عن مثل هذا الحل ما دامت نتائج مقتل خاشقجي غير واضحة. كما تشير إلى أن "السعودية يجب أن تفعل كل شيء لحل الأزمة الإنسانية في اليمن". لكن موقفها لا يخلوا من النفاق. ففي حين أن اتفاقية الائتلاف الحكومي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي تمنع صراحة أي بيع للأسلحة "للدول المشاركة في الحرب في اليمن"، إلا أن السلطات الألمانية منذ بداية العام قد سمحت بـ 416.4 مليون يورو قيمة عقود الأسلحة مع الرياض.
لكن يكمن التحدي بالنسبة للسلطات الفرنسية في نطاق مختلف. فالمملكة العربية السعودية كانت وراء مصر، الزبون الثاني في عام 2017 لصناعة الأسلحة الفرنسية. علاوة على ذلك، فمنذ أن بدأ التحول الكبير المؤيد للسعودية تحت رئاسة فرانسوا هولاند، اصبحت المملكة "شريك استراتيجي"، حتى لو كانت باريس ترغب أيضاً في إعادة توازن علاقاتها مع طهران.
في نظر إيمانويل ماكرون، فإن وقف مبيعات الأسلحة ماهو إلا "ديماغوجية محضة". "أنا أتفهم الصلة مع ما يحدث في اليمن. لكن لا صلة لذلك بقضية خاشقجي"، أكد ذلك ماكرون رئيس الدولة، الذي ظل صامتا لفترة طويلة في قضية خاشقجي، حتى لو لم يتردد خلال مقابلة محمد بن سلمان في 25 أكتوبر في أن يعبر عن "كل سخطه" لاغتيال المعارض. ويذكر السيد ماكرون أنه عندما يتم تحديد منفذي الجريمة والجهات الراعية، فإنه سيتم تنفيذ عقوبات فردية عليهم. موقف قريب جدا من موقف الرئيس ترامب، الذي يلوح أيضا بهذا التهديد مستبعدا تخليه عن عقود الأسلحة بقيمة 110 مليار دولار المخططة مع الرياض.
يمكن للمرء أن يشكك في أهمية هذا الخيار المفترض للسياسة الواقعية التي قد تجد نفسها في مأزق مع الرأي العام وخاصة مع شريكنا الأوروبي الرئيسي. إن قضية خاشقجي هي بدلاً من ذلك فرصة للضغط على المملكة العربية السعودية في اليمن. إن فرض حظر على مبيعات الأسلحة سيكون انتصارا لهذا الصحفي بعد وفاته، فقد كان لفترة طويلة قريبا من العائلة المالكة السعودية، قبل أن يصبح المهاجم الشرس ضد المغامرات الجيوسياسية للرجل القوي في الرياض
ترجمة خاصة بقناة بلقيس.