فرغم الخسائر الرهيبة والإقرار المرير بالهزيمة، إلا أن أعظم ما حدث هو تخلي الأمتين العظيمتين عن نزعة العنف والعنصرية والقسوة والأوهام والحماقات العسكرية خصوصاً وقد تحولت ألمانيا مثل اليابان من جلاد إلى ضحية، لتجد كل قوة ذاتها في خضم تحولات قيمية كبيرة وفارقة وملهمة.. تحولات تستحث في الشعوب، تحفيز طاقتها الحضارية الكامنة من أجل المستقبل، ومغادرة نمط تفكيرها الهمجي المعيق عن بلوغ التطور والسلام.
لذلك قامت الدولتان بالإعتراف بجرائمهما ضد الشعبين الياباني والألماني أولاً، كما ضد الشعوب الأخرى وبالتالي الإقدام على مراجعات فكرية ونفسية حاسمة تجاه الذات والآخر إضافة إلى التصحيح الشجاع للمسارات الخاطئة
قامت الدولتان بالإعتراف بجرائمهما ضد الشعبين الياباني والألماني أولاً، كما ضد الشعوب الأخرى وبالتالي الإقدام على مراجعات فكرية ونفسية حاسمة تجاه الذات والآخر إضافة إلى التصحيح الشجاع للمسارات الخاطئة
ولقد كانت اليابان تتميز بنمطها الوحشي في الحكم الاستعماري التوسعي، الذي تسبب في العديد من المجازر بحق الشعوب الأخرى، وأعاق اليابان نفسها عن التطور والتمدن، بينما كانت المانيا العنجهية لا تشعر بالأسى جراء جرائم حروبها وما تفعله من آثار فظيعة داخل المجتمعات والذاكرة والتاريخ.. شيئا فشيئاً ذاقتا من نفس الكأس أيضا.
حدث ذلك قبل 70 عاماً وما زالت العقلية العربية الماضوية المتخلفة التي لا تعيش إلا على الحروب والشمولية والتطييف والانتقامات، يصعب عليها استيعاب أن إقرار الاستسلام ليس عيبا، أو عاراً وإنما قد يتحول إلى قوة حقيقية، بمجرد ما يخضع الميليشياوي الأهوج صاحب الكلاشينكوف المذحل مجمل تراثه الفكري العنفي للنقد، وكذا غربلة نزعات الدمار والتخريب والكراهية والإقصاء التي تشبع بها، ليدرك أن له ذات الحقوق والواجبات المتساوية في المجتمع الذي هو عبارة عن جزء منه لا متسلطاً عليه.. في حين أن نتائج الحروب كما يقول التاريخ ستظل تلاحق المهزوم والمنتصر على السواء، باعتبارها لعنة أزلية، ما لم يتم تجاوز الحروب نهائيا كحلول، لأنها بإختصار شديد تفضي إلى مراكمة المشاكل وإنتاج مختلف المصدات الاستبدادية التي تعادي تطور التطلعات الديمقراطية والتعايشية والآمال الإنسانية المشتركة في تحقيق التنمية الاقتصادية والثقافية والإبداع الإجتماعي والإصلاحات الفكرية التي تليق بالعصر.