لم يكن لكل أولئك الذين لحقوا بالثورة أداء جيدا جميع النخب اليمنية كانت قاصرة لم تستطع أن ترتقي بتفكيرها وعملها إلى مستوى تطلعات ثورة مدنية وحداثية نقية وشابة تجاوزت طموحاتها سقف النخب مشروعا وتضحية إذ لم تكن النخب تملك روح التضحية والشجاعة الاستثنائية الفذة التي تمتع بها الشباب الساعي الى إثبات قدسية الحياة وكرامة الإنسان اليمني وحقه في الحرية والرفاه وانتزاع ملكية الوطن واستعادته كوطن يضمن لهم الحقوق وحماية القانون بعد أن تحول إلى ملكية خاصة وحظيرة إقطاعية لحفنة من شيوخ القبائل والعسكر والسياسيين ورجال المال والدين كعصابة سخرت السلطة والثروة لخدمة مصالحها الخاصة مستهترة بحقوق الشعب ومدمرة لحاضره ومستقبله وآدميته.
أولئك الشباب الذين تداعو الى ساحات الحرية والتغيير مخاطرين بأرواحهم واضعين حياتهم على أكفهم لا يريدون أجرا ولا مجدا ولا شهرة فقط يريدون وطنا يحتضنهم ويضمهم يريدون دولة تصون كرامتهم وترعى مصالحهم يريدون قانونا يساوي بينهم ويحمي ضعفائهم.
الثورة الشبابية الشعبية السلمية 11 فبرابر ثورة يتيمة لا زعامة ولا سلطة عليها ولا قيادة لها حقيقية سوى إحساس شبابها الأحرار وما تفجر في قلوبهم من روح وطنية عالية ومشاعر حب عارمة وأحلام تحررية عميقة عمق مجدهم وتاريخهم وحضارتهم. وستبقى ثورة فبراير شبابية بروحها ونقائها وفكرها ومشروعها المدني الحداثي وشعبية بزخمها وإرادتها ولن يستطيع متطفل أو متسلق أو متأمر أن يهدد وجودها مهما أحيكت ضدها المؤامرات وتعاقب عليها الزمن وأحاطت بها المخاطر وتجاذبتها الأهوال لأنها إرادة شعب وإرادة الشعوب لا تقهر.
إن غاية الثورات لا تدرك جملة لزاما تمر بمنعطفات ومآزق ومخاض طويل وليس من الممكن التحرر من طغيان نظام علي صالح الفاشل وأذرع الدولة الكهنوتية والرجعية العميقة الأخرى والوصاية السعودية المفروضة على اليمن منذ عقود دون أن تكون هناك تضحيات جسيمة ودون مشاكل جديدة لا يكاد أحدنا يتصور مقدار ما سيعانيه شعبنا حتى يأتي اليوم الذي تحقق فيه الثورة أهدافها ويحقق الشعب مبتغاه.
ثورتنا تمر بفصل إجباري للوصول إلى غايتها الرئيسية وتواجه تحديات كبيرة ومشاكل كثيرة وهذا حال الثورات عبر التاريخ لو عدنا إلى تاريخ الثورة الفرنسية لرأينا كيف كان طريقها صعبا وممتدا إذ لم يصل الفرنسيون إلى غايتهم إلا بعد عقود طويلة من الصدام المسلح والمعارك الطاحنة سياسيا واجتماعيا وفكريا، لكن من دون تلك الثورة التي غيرت وجه التاريخ ما كانت هناك دولة حديثة عملاقة ورائدة بين الدول الأوروبية ولا كانت هناك سيادة ولا جمهورية وديمقراطية ولا شعب يتمتع بالحرية والكرامة وينعم بمواطنة وحقوق متساوية ولا كان هناك وطن ولا نهضة حضارية مذهلة فما نراه اليوم هو ثمرة استقلال الفرد وتكريم كينونة الإنسان. الأنظمة والمجتمعات لا تتحول بطرفة عين لأن تركة التاريخ وتباين المشاريع وصراع المصالح يجعل من المستحيل صنع التحول بصورة مستقيمة سلسة ويستوجب العبور بمعارك مختلفة ومتوازية كذلك لبلوغ التاريخ إلى غايته.
ما يجب التأكيد عليه دوما أن الثورة هي ثورة الشعب وأن روادها هم الشباب وليس النخب ولا المكونات وعلى الشباب أن لا يغيب عن نظرهم الهدف والغاية السامية وأن لا يفقدوا الإيمان بالقيم والمثل التي حركتهم ودفعتهم إلى تحمل كل هذه التضحيات الهائلة فمهما نال الطغاة من الثوار إلا أنهم لن ينالوا من الثورة، لأن الثورة فكرة لها روح باقية لا تفنى، سيدركون يوما أن الثورة عصية على الانقياد لن تذهب دماء الشهداء سدى سوف تنبت منها زهور الحرية والكرامة وتعمر بلدة طيبة وتجعل من اليمن السعيد الوطن الذي تهوى إليه أفئدة اليمنيين.