كما كشفت أن كل دعوات القتل والعنف والتعصب القبلي والمناطقي والسلالي التي انبعثت ما بعد ثورة 11 فبراير لم تكن عفوية ولا بريئة، ولم تكن من إنتاج الثورة، لقد تم تصنيعها وتعليبها في قوالب مختلفة تحت عين علي عبدالله صالح وأجهزته الاستخباراتية بعناية فائقة لهدف علني واضح، هو وأد أي محتوى ثوري تحرري، أو مطلب قيّمي، تحت قشرة سميكة من غبار العنف والعصبيات المناطقية والقبلية والسلالية التي تميز بها جوهر سلطته، وطبعت على اسلوب إدارته، كسلطة قائمة على المراوغة والخداع وتصفية الخصوم بطريقة احترافية، وقائمة على الفساد والمحسوبية والانقسامات وتزوير الحقائق، ورهاناته على بث الفرقة بين أبناء الشعب، ليسهل عليه التحكم به وتضليله ودفعه الى الارتماء في أحضان الحركات الدينية الرجعية منها والكهنوتية، لفصله عن نخبه الثقافية والسياسية الواعية، وحرمانه من أي فرصة لتطويره والخروج به إلى بر الأمان والحياة الكريمة.
ليست الثورة وما لحقها بعد مجزرة الكرامة من أعمال قتل وتخريب، وما حصل من تدخلات أجنبية استدعاها علي عبدالله صالح لإنقاذه، والحروب الجانبية والموازية التي أطلقها بما فيها غول الإرهاب وشن حرب التحالف العربي بقيادة السعودية التي رافقت عملية الانقلاب المليشاوي على الدولة، تحت مبرر إعادة الشرعية، ليس ذلك كله من صنع الثورة..ولا من صنع الشباب الذين لم يرفعوا سوى مطالب إنسانية مشروعة، ولم يحلموا إلا بالكرامة ورد الإعتبار للذات الوطنية، بل كان ذلك من مقتضيات الحرب الواسعة والثورة المضادة التي أطلقها علي عبد الله صالح وحلفائه على الشعب لسحق إرادته وإجباره على الخضوع للأمر الواقع، والاستسلام للسلطة الإقطاعية الفاسدة التي تحكمه وتتحكم بحياته وأرواح أبنائه منذ عقود، بديل الثورة التي كانت وستبقى أكبر حدث مجيد في تاريخ اليمن وأعمقه أثرا وتعبيرا حضاريا نبيلا عن إرادة الشعب في الدولة والحرية والكرامة التي تسكن قلوب وعقول اليمنيين.
فجر الشباب ثورة عظيمة كبرى أذهلت العالم بسلميتها وسلوكها الحضاري، ورقي مطالبها العادلة، ونقاء روادها ولا يمكن هزيمتها أو دفنها، ولن تذهب تضحياتهم الجسيمة ودمائهم الزكية سدى
فجر الشباب ثورة عظيمة كبرى أذهلت العالم بسلميتها وسلوكها الحضاري، ورقي مطالبها العادلة، ونقاء روادها ولا يمكن هزيمتها أو دفنها، ولن تذهب تضحياتهم الجسيمة ودمائهم الزكية سدى، وما بعد مجزرة الكرامة لن يكون كما قبلها مهما كانت الظروف، لن يتخلى اليمنيون عن الحلم الذي هز وجودهم من أعماقه، إما أن يكون اليمن دولة ذات سيادة غاية وجودها رعاية مصالح مواطنيها وحفظ كرامتهم وسيادتهم على أرضهم وحفظ أمنهم واستقرارهم، دولة ديمقراطية تكفل الحريات والمواطنة المتساوية، أو يبقى مسرحا للصراع الداخلي، ومرتعا لعبث آل سعود الذين لم يدركوا بعد أن شعبا عريقا صاحب أقدم حضارة على وجه الأرض لن يعود ثانية الى حظيرة الإقطاعيين، لم يعد الأمر يتعلق بالثورة فحسب، نحن اليوم أمام مسألة وجود إما أن تكون الأمة اليمنية أو لا تكون.
الثورة ليست النخب السياسية الضعيفة والمهترئة القابعة في الرياض، المحسوبة على الثورة، ولا المليشيات الإقطاعية والمناطقية التي أوجدها آل سعود وحلفائهم هنا أو هناك، والتي لم تعد إلا جزءاً من أدوات العبث القائم، الثورة قيم ومبادئ الحرية والكرامة التي تجري في دم كل يمني حر خالد على أرضه.
إن تفكيك منظومة العبث السعودي الذي يعتبر المسؤول الأول عن سحق حلم اليمنيين لعقود طويلة وقطع دابر اللجنة الخاصة وحلفائها التقليديين بعد تفكيك نظام علي عبدالله صالح البائد يجب أن يكون اليوم على طاولة أولويات الثورة قبل فوات الأوان.
ويصادف اليوم الأحد الذكرى 7 لمجزرة الكرامة التي ارتكبت من قبل علي عبدالله صالح وأدوات نظامه في 18 مارس 2011 قتل فيها قرابة 60 شهيدا وعشرات الجرحى من شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية.