ومع ذلك، بعد هزيمة قوى المحور في العام 1945، عاد الأميركيون إلى الانقسام. وفقط بعد حصار برلين في العام 1948 وسقوط الصين في يد ماوتسي تونغ وتفجير روسيا القنبلة الذرية في العام 1949 وغزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في العام 1950، عدنا فتوحدنا حول الاعتقاد بأن علينا أن نعود لأوروبا وآسيا، من أجل أمننا الخاص.
أفضى ما سمي "إجماع الحرب الباردة" –القائم على أن أميركا فقط هي التي تستطيع "احتواء" إمبراطورية ستالين- إلى تشكيل حلف الناتو وتحالفات أميركية جديدة، من منطقة الألب إلى بحر الصين الشرقي.
مع ذلك، حطمت حرب فيتنام إجماع الحرب الباردة. وكان أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي الذي أخذنا إلى فيتنام قد تنصل من الحرب مع حلول العام 1968، وغير الجوانب ليتعاطف مع شيوعيي العالم الثالث، مثل فيدل كاسترو وتشي غيفارا وهوشي منه والساندستانيين (في نيكارغوا).
ومن جهتهم، قبل رؤساء يمين الوسط -جون ف. كنيدي، ونيكسون، وريغان- الحاجة إلى التعاون مع الحكام الدكتاتوريين الذين يمكن أن يقبلوا بالوقوف إلى جانبنا في محاربة الشيوعية.
أخذنا جورج أتش دبليو بوش إلى الحرب لطرد صدام حسين من الكويت وحلّقت مستويات التأييد له إلى نسبة 90 بالمائة عندما أعلن أن دور أميركا الجديد هو إنشاء نظام دولي جديد
وقد فعلناها. بارك تشنغ هي في كوريا. والشاه في إيران. والرئيس دييم في سايغون. والجنرال فرانكو في إسبانيا. وسوموزا في نيكاراغوا. والجنرال موبوتو في الكونغو. والجنرال بينوشيه في تشيلي. وفرديناند ماركوس في مانيلا. وتطول القائمة.
في عهد رئاسة ريغان، انهارت الإمبراطورية السوفياتية أخيراً وتفكك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في واحدة من أبرز التطورات في التاريخ. وبذلك، انتهى القرن الأميركي بانتصار أميركا.
مع ذلك، لم يظهر بعد العام 1989 أي إجماع قومي حول ما الذي يجب أن يكون عليه دورنا في العالم. ما هو الموقف الذي يجب أن ندعمه؟ وما الذي يجب علينا أن نقاتل من أجله؟
كان ما قاله دين أكينسون عن أبناء عمومتنا في العام 1962: "لقد فقدت بريطانيا العظمى إمبراطورية، ولم تجد لنفسها دوراً بعد"، ينطبق علينا حقاً.
ما الذي سيكون عليه دورنا في العالم الآن، بعد أن أصبحت الحرب الباردة تاريخاً؟
أخذنا جورج أتش دبليو بوش إلى الحرب لطرد صدام حسين من الكويت. وحلّقت مستويات التأييد له إلى نسبة 90 بالمائة عندما أعلن أن دور أميركا الجديد هو إنشاء نظام دولي جديد. أما أولئك الذين عارضوه، فقد انتقدهم بوش بشدة في هاواي يوم 7 كانون الأول (ديسمبر) 1991 في الذكرى السنوية الخمسين لهجوم بيرل هاربة، وقال: "إننا نقف اليوم في موقع مأساة جاءت بسبب الانعزالية.. هذا هو المكان الذي يجب أن نتعلم منه -وهذه المرة تجنب- مخاطر انعزالية اليوم ورديفتها المتواطئة معها، الحمائية."
لكن بوش ونظامه العالمي الجديد لم يستطيعا البقاء والنجاة بعد تشرين الثاني (نوفمبر) التالي. ثم جاء تسديد ثمن عقوباتنا التي جلبت الموت لآلاف العراقيين، وثمن القواعد الأميركية التي كنا قد زرعناها ببلاهة في الأراضي الإسلامية المقدسة في السعودية -هجمات 11 أيلول (سبتمبر)2001.
ورد جورج دبليو بوش بإطلاق الحربين الأطول في تاريخنا، ضد أفغانستان والعراق، وأعلن أن دورنا الجديد يتمثل في "إنهاء الاستبداد في عالمنا". لكن حملة بوش الثاني من أجل نشر الديمقراطية العالمية فشلت أيضاً.
بعد ذلك، حاول باراك أوباما تخليصنا من أفغانستان ومن العراق. لكنه فشل هو أيضاً وأدخلنا في أتون حروب في اليمن وفي سورية، ثم بدأ حربه الخاصة في ليبيا، منتجاً دولة فاشلة أخرى.
كيف تبدو ورقة الميزانية العمومية لتدخلات ما بعد الحرب الباردة؟
حاول باراك أوباما تخليصنا من أفغانستان ومن العراق. لكنه فشل هو أيضاً وأدخلنا في أتون حروب في اليمن وفي سورية، ثم بدأ حربه الخاصة في ليبيا، منتجاً دولة فاشلة أخرى
منذ العام 1991، فقدنا هيمنتنا العالمية، وتضاعف ديننا القومي أربعة أضعاف، وأدخلنا أنفسنا في وحل خمسة حروب شرق أوسطية، بينما يطالب المحافظون الجدد بخوض حرب سادسة، مع إيران.
الآن، مع التخلي عن إنشاء النظام العالمي الجديد ونشر الديمقراطية العالمية كهدفين عظيمين لأميركا، ما هو الهدف الجديد للسياسة الخارجية الأميركية؟ وما هي الاستراتيجية لتحقيقها؟ وهل هناك أحد يعرف؟
يقول أنصار العولمة إنه يجب علينا المناداة بـ"نظام عالمي جديد يستند إلى قواعد". ليس بالضبط "تذكروا حرب العلمين"! أو "تذكروا بيرل هاربر!"
الآن، بعد مرور ربع قرن على انتهاء الحرب الباردة، ما نزال ملتزمين بتحالفات الحرب الباردة التي مضى عليها 60 عاماً للدفاع عن عشرات الدول في الجانب الآخر من العالم. ولنفكر في البعض من الأماكن حيث تصطدم أميركا اليوم مع قوى نووية: المناطق منزوعة السلاح؛ سينكاكوس؛ القرم، الدونباس.
ما هو الشيء الحيوي والحاسم بالنسبة لنا في أي من هذه الأماكن لتبرير إرسال جيش إلى هناك للقتال، أو المخاطرة بخوض حرب نووية؟
لقد فقدنا السيطرة على وجهتنا. وفقدنا الحرية التي زرعها فينا آباؤنا المؤسسون لنحافظ عليها -حرية البقاء خارج حروب البلدان الأجنبية أو حروب القارات القصية.
مثل الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، فإن الإمبراطورية الأميركية غير مستدامة. وقد أصدرنا العديد جداً من ضمانات الحرب إلى درجة بات معها من المؤكد أننا سوف نجر إلى داخل كل أزمة كبيرة مستقبلية أو صراع على وجه البسيطة. وإذا لم نراجع ونتخلَّ عن بعض هذه الضمانات، فسوف لن ننعم بالسلام أبداً. وقد بدا دونالد ترامب ذات مرة وأنه يفهم ذلك. فهل ما يزال