في آخر عشر سنوات قبل الحرب، بدأت تنحسر طريقة احياء الأسمار، نظرًا لبعض التطورات في مجال الكهرباء واهتمام الناس بالتلقي من خلال الأجهزة الناقلة للمعلومات، كما يرى متابعون.
وتشهد الليالي الرمضانية، هذه السنة، العودة القوية لإحياء تلك العادات مضيفين إليها بعض التحديثات البسيطة كي تبدو مستساغة أكثر للسمار.
في شرعب السلام، يتنقل أحمد الغزالي وشهاب الحداد من منطقة لأخرى، لإحياء الليالي في القرى، بإلقاء الأحاديث والأهازيج الدينية وإسماع الناس في المجالس الذي يجتمعون فيها قليلًا من الذكر.
وتختلف الأسمار القروية الليلية، عن ما يسمونه بـ "السمر الكبير"، وهو تحديد ليلة رمضانية لاجتماع مجموعة من أبناء القرى، غالبًا ما يكون في باحة أحد المساجد، تلقى فيه فقرات مختلفة، إضافة إلى تكريم طلاب تحفيظ القرآن.
ويقول عبده محمد علي، وهو أستاذ يعمل في مركز الخير للتحفيظ، في ريف تعز، أنهم يفعلون ذلك ليستأنفوا عملهم بطاقة أكبر بعد رمضان، علاوة على زرع التنافس بين الطلاب وولاة الأمور لتعويض الطلاب ولو جزءًا مما لحق بهم جراء التدهور المريع الذي لحق بالمؤسسات التعليمية نتيجة الحرب.
أهازيج ارتبطت بالتراث
وتزدحم طرقات الريف بأضواء الدراجات النارية، لموكب الملقين لفقرات السمر بدءا بالقرآن الكريم، وحديث صغير، ثم أهازيج ارتبطت بالتراث، وموعظة، يرى الغزالي، أنها موائمة مع روحانية الشهر الفضيل.
ولايوجد مرجعاً يؤرخ لهذه العادة، غير أنها مرتبطة بتعاطي القات، وقد عرج عليها الروائي اليمني الشهير زيد دماج في رواية الرهينة، التي تدور أحداثها داخل قصر الإمام الذي حكم اليمن في منتصف القرن الماضي.
وكانت الأسمار القديمة، مقتصرة على الاجتماع في أحد مجالس القرية تجلب إليه المدائع، ويتعاطى السمار القات، وينصتون للشخص الذي يعرف القراءة، ومعظم الذين عايشوا تلك الفترة يؤكدون أن الدروس التي كانوا يسمعونها لم تخرج بين دفتي "رياض الصالحين".
في منطقة "راوة"، القريبة من العدين محافظة إب، يجتمع السمار في مجلس لكبير المنطقة، ويلوكون القات من بعد العشاء ويقرؤون القرآن حتى قبيل السحور.
يعتقد أبناء المنطقة أنهم ورثوا هذه الطريقة منذ قرون، غير أنه لا يوجد أي شاهد حي على قِدم المنطقة غير قبتين لضريحين يعتقدون أنهما من الأولياء، ومازال بعض الزوار يقدمون من مناطق مختلفة للتبرك بهما، لم يعد الناس يأتون كما كانوا، أما احياء تلاوة القرآن فقد كانت قبل سنتين.
أضرحة وأولياء
يقول "غ، ص" أن من يأتي ضيفًا في ليالي رمضان يأخذونه إلى المجلس، ويظل هناك الضيف والمضيف يستمعون ويقرؤون، ما جعل بعض زملائه يعزفون عن زيارته لأنهم يرون أن الذكر بهذا الأسلوب يخلو من الروحانية"، لقد تخفف العبء هذه السنة ولم يعودوا يحرجون من ضيوفهم كما يروي "غ، ص"، قبل سنوات كان لزامًا عليهم الحضور إلى المجلس، أما الآن بإمكانهم البقاء في منازلهم، لكن الكثير يذهبون، ومن لا يذهب يسمع السمار عبر مكبرات الصوت طيلة ليالي الشهر الفضيل.
هناك يطلقون على من في الأضرحة المقببة، ألقاب من قبيل "السيد، الشريف، الولي، الصوفي"، هذا ما يجعلهم يتحاشون نقد هذه العادة، بالقرب منهم يتمركز مقاتلي الحوثي، ما جعل الطريقة التي كانت قد تلاشت تدريجيًا من 2009 إلى 2014، بالعودة مع تحديثات جديدة تتمثل بمكبرات الصوت.
في منطقة الحيمة ـ مديرية التعزية، محافظة تعز، وكذلك بعض العزل مثل الجند، وهي مناطق تقع تحت سيطرة المليشيا الحوثية، يتم احياء الليالي بأسمار مشابهة، غير أنه لا يتردد فيها القرآن، وإنما ترديد الموالد ـ وهو نوع من التراتيل القديمة، يرددها غالبية الحاضرين غالبًا، أو الترديد بعد شخص، وهي قريبة من التواشيح الصنعائية، يتخللها الإلقاء الجماعي للتسبيح.