الحملة بدأت مطلع الشهر الجاري، ولا تزال مستمرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم «وين_الفلوس»، وتهدف لمطالبة جميع المنظمات الأممية والدولية والمحلية العاملة بالمجال الإنساني بنشر تقاريرها المالية والفنية على مواقعها الإلكترونية، التزاماً بمعايير الشفافية، وقواعد عملها، وأسوة بما تفعله في بقية الدول.
هذه المبادرة الإيجابية تخدم العمل الإنساني والمحتاجين والمنظمات نفسها، كونها تذكّر الجهات العاملة بهذا المجال بقواعد عملها، ومنها الشفافية، والإفصاح عن الأموال التي تتلقاها، وطريقة إنفاقها، في ظل تحذيراتها المستمرة من المجاعة، رغم توفير تمويل خطة الاستجابة الإنسانية.
من حق اليمنيين أن يسألوا عشرات المنظمات العاملة في بلادهم عن الأموال التي تحصل عليها باسمهم، والتي وصلت خلال الأعوام الأربعة الماضية إلى ٢٠ مليار دولار، نصفها جُمعت من مؤتمرات الأمم المتحدة والباقي تبرعات دول وجهات خارج خطط الاستجابة الأممية.
الحملة تطرح أسئلة مشروعة، ولا توجه اتهامات مسبقة، أو تستهدف جهة بعينها، وليست تابعة لأحد، هي محاولة لتعزيز الشفافية وتقويم العمل الإنساني.
لقد نشر العديد من المشاركين في الحملة وهم كُثر، كشوفات تضم أسماء الكثير من المنظمات مع حجم الأموال التي استلمتها وعناوينها وطبيعة أنشطتها، وقاموا بمراسلة القائمين عليها عبر حساباتها البريدية لمطالبتهم بنشر تقاريرهم المالية والفنية لا غير.
للأسف أغلب هذه المنظمات لم تستجب لطلبات الشفافية، وقلة منها ردت بشكل سلبي، وبعضها زعمت أن الجهات المانحة تراقب عملها، وتطّلع على تقاريرها، مع أن مسؤولين في بعض الدول اتهموا منظمات معينة بالفساد.
الدوافع التي حرّكت الحملة كثيرة، أبرزها اعتراف منظمة أممية هي برنامج الغذاء العالمي بوجود تلاعب في توزيع المساعدات وفساد أكل مستحقات المستهدفين الحقيقيين، وأُلقي باللائمة على الحوثيين، وأعلن البرنامج إجراء محاسبة داخلية دون نتائج، فضلاً عما كشفه تحقيق وكالة أسوشيتد برس من تعاظم فساد الإغاثة، بالإضافة لشهادات أشخاص مسجلين بقوائم المنظمات لم يستلموا مخصصاتهم، بعدما ذهبت لآخرين غير مستحقين.
الإشكالية أن العديد من المنظمات تعترف بسوء إدارة الملف الإنساني وتفشي الفساد لكنها لا تفعل شيئاً، وربما أغراها غياب الرقابة الحكومية، وتواطؤ المنظمات المحلية المعنية معها، ولهذا جاءت الحملة على أمل تفعيل دور الرقابة المجتمعية.
المنظمات أمام اختبار حقيقي يتعلق بالمصداقية والنزاهة، ولا يوجد أي مبرر لغياب الشفافية، والتحفظ على التقارير المالية والفنية.
إن الالتزام بالشفافية يعني الجدية في العمل، والرغبة في معالجة الوضع الإنساني، وما سواه قد يُفهم بأنه توجه لإبقاء الوضع على حاله لاستدرار الدعم لأطول فترة ممكنة، طالما غابت الرقابة، كونها الضامن الحقيقي لقيام هذه الجهات بواجبها، وإيصال المساعدات لمستحقيها.