يقول إن الأمانة الاخلاقية وقبلها الفطرة الإنسانية السوية تحتم عليا كإنسان أولاً وموظف حكومي ثانياً ألا أغدو قاتل أقف بصف أحد طرفي الصراع في اليمن.
لذلك اخترت التشرد والفاقة مع الاحتفاظ بكرامتي وإنسانيتي التي تنشد السلام الكامل للوطن والمواطن، وفضلت العيش على رصيف أحد شوارع العاصمة اليمنية صنعاء.
يتخذ من مساحة تقارب المترين في مترين سكن للعيش دون أي حاجز أو ساتر يخفيه عن المارة والذين أحيانا يتعثرون به ويبادرهم هو بالاعتذار نيابة عنهم.
في أتون الصراع الذي يفتت اليمن، هرع كثير للتسابق والظفر بمكان وظيفي مميز مرموق مقابل الانظواء تحت مظلة أحد طرفي الصراع فيما فضل المقرمي البقاء بعيدا عن دائرة الحرب.
رفض الكثير من الاغراءات التي عرضت عليه كما يقول، ومن تلك العروض مدير عام ورئيس قسم ووكيل مساعد ورفض حتى مجرد التعاطي معها.
مع توقف الراتب كلياً منذ حوالي عشرين شهراً، قرر كعادته عدم استجداء العطف من طرفي الصراع، وبدأ في اتخاذ مسار مغاير لمسارات غالبية موظفي الدولة، وقام بايجاد أكياس والشروع في جمع مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازية والعيش من عوائدها المتواضعة للغاية إذ محصول ما يجمعه مدة يومين أو ثلاثة أيام بالكاد يكفي لتغطية وجبتي طعام بسيطة.
حوالي عاميين وهو يعيش على ما يتحصل عليه من عوائد مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازبة، وكل يوم يزداد ثقة بأن ما يقوم به هو الصواب، وفي المقابل الوقوف بصف أي طرف من أطراف الصراع هو عين الخطيئة.
في تنقلاته بين شوارع العاصمة صنعاء بحثاً عن مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازية، إن صادف وجود علبة مشروب غازي أو قنينة بلاستيك في مكان مزدحم الأشخاص يقترب منها ويلتقطها بروح مرحة وأسلوب شيق ويردد بكل أنفة لا تستغربوا هذا ما تبقى من الاقتصاد اليمني.
وكثير ما يحاول أشخاص منحه مساعدة مالية ويرفض قبولها قائلا: أشكرك أنا أكسب ما يكفيني لأعيش بكرامة وهناك أخرين حاجتهم كبيرة فحاول البحث عنهم ومساعدتهم ويبتسم ويغادر المكان.
في بداية اتخاذه القرار هذا رغبت في مناقشته ولكنه قاطعني قائلا: أنت بالنسبة ليس مجرد صديق وإنما روزنامة قيم نبيلة ولذلك لن أقبل أن تنظر لي بعين الشفقة بل أريدك أن تعد ما أقوم به مصدر اعتزاز لك لكوننا صديقيين منذ العام 2011 حيث جمعتنا على الود والصدق والتحرر من تبعية وعبودية الرغيف المستل من مزابل القتلة والفاسدين.
إنه موظف يمني منذ ما يفوق الـ 15عاماً في إحدى أهم الوزارات وهي وزارة الصحة العامة والسكان، ومحسوب على القوة الوظيفية التي اقترحتها منظمة الصليب الأحمر الدولي على وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المختصة بالحكومة اليمنية وبعد تأهيل وتدريب عالٍ في مجال الصحة النفسية.
وحسب وثيقته الشخصية الصادرة من مصلحة الأحوال الشخصية اسمه عبده أحمد زيد ثابت المقرمي، ينحدر من إحدى مديريات محافظة تعز.
في العقد الرابع من العمر، عمل في المصحة النفسية بالعاصمة صنعاء لسنوات ثم انتقل بصفته كادر مؤهل من قبل الصليب الأحمر إلى ديوان عام وزارة الصحة_ إدارة الصحة النفسية وما زال حتى الوقت الراهن موظف من الدرجة الخامسة، لكونه لا ينحدر من أصل نافذ، فوالده مزارع بسيط..
أضف إلى ذلك بأن اختيار الصليب الدولي له_أي عبده زيد، ليكون محسوب على الطاقة الوظيفية المخصصة له كان نتاج مفاضلة في معايير الإلتزام والكفاءة.
عام 2015 أطلق مع عدة شباب أول مبادرة يمنية تدعو للسلام وهي مبادرة "الوطن قضيتنا" وتم نشرها في كثير من وسائل الاعلام المحلية الإلكترونية، وعلى خلفية نشاطه الداعي للسلام تعرض للاعتقال مطلع العام 2016 وكانت وما زالت المضايقات تتعقبه.
كما أنه مر عليه حوالي ستة أعوام لم يستطع خلالها زيارة أسرته ووالديه المسنيين.
إن قصة هذا الموظف اليمني في الواقع هي اختزال لواقع أكثر من مليون موظف حكومي يعيشون فاقة تتمدد كل يوم أكثر جراء حرمانهم من رواتبهم التي كانوا يعيشون عليها.
كما تجسد حقيقة واقع أكثر من 23مليون يمني يعدون ضمن البشر الأفقر عالميا.