غارات الموت
تسببت الغارات الجوية للتحالف، في فقدان الكثير من الأسر لأفرادها، ناهيك عن الآثار النفسية التي خلفها القصف والمستمر معهم منذ وقت ليس بالقصير، بل وصل الحال إلى أن بعضهم لم يتحمل قسوة ذلك فداهمه الموت؛ بفعل الصدمات التي تعرضوا لها.
منذ انطلاق عاصفة الحزم 26 مارس/ اذار 2015م مثلت الغارات الجوية عاملا رئيسيا في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، فقتلت الحرب ما يقارب 6 آلاف مواطن وإصابة أكثر من 10ألف بإصابات مختلفة، حسب تقرير لمنظمة " هيومن رايتس ووتش"، ومن المؤكد أن عدد الإصابات الفعلي في صفوف المدنيين أعلى من هذا الرقم بكثير، ناهيك عن نزوح الكثير لتزداد معاناة الملايين من اليمنيين في نقص الغذاء والماء والرعاية الطبية.
آثار نفسية
يوم الأحد، في تمام الساعة 10 مساء بتاريخ 22 أبريل/ نيسان 2018م، كان يوماً مختلفاً للغاية، حادثة أوجعت قلوب اليمنيين شمالاً وجنوباً، أثكلت نساء، ويتمت أطفال، وتركت معاناتها لسنوات ولا تزال. طيران التحالف يغير على خيمة عرس بمنطقة بني قيس بمحافظة حجة شمالي اليمن، أسفرت تلك العملية عن مقتل 22 شخصا، بينهم 8 أطفال وإصابة 54 آخرين على الأقل، منهم 26 طفلا.
مكان الحادثة لا يزال شاهداً على تلك العملية النكراء، وكما لا ينسى الناس تلك الحادثة والرعب الذي خلفته، فآثارها أيضاً لا تترك أهالي الضحايا.
بصوت خافت يتحدث الطفل "سميح شوعي دمان" أحد الناجين من القصف، يعيش حالة من الحزن العميق المدفون في أعماقه، بسبب مقتل والدة ومكوثه بجانب جثة أبيه يبكي حتى الصباح، في مشهد يستذكره المواطنون بحزن عميق.
تقول أم سميح:" لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنه يصلني خبر موت زوجي بقصف الطيران، لكن ما جعلنا نعيش أصعب الظروف والذكريات المحزنة هو الفيديو الذي نشره الناس، كل لحظة سعادة اتخيلها وترجع حياتنا مرة، لا مكان للفرح بعد رحيله.!
تضيف: سنوات منذ الحادثة ولكن "سميح" في بعض الأحيان يقوم أثناء النوم مذعوراً، ويكلم نفسه بصوت خفيف ويعود للبكاء بشدة، يبحث عن والده ولا أجد له إجابه.
تهامة الوجع المنسي
المدينة التي كان لها النصيب الأوفر مع الحرب منذ عام 2015م، فبعد عملية رصد وتحري، رصد معد التقرير الكثير من الغارات التي استهدفت العديد من الأماكن السكنية والمستشفيات والمساجد والأسواق والمدن، والتي أدت إلى وفاة الكثير منهم بفعل الاستهداف المباشر من قبل طيران التحالف للأماكن المدنية المأهولة بالسكان.
ساعدت ظروف كثيرة في عدم الاكتراث لأوجاع هذه المدينة، والمعاناة الكبيرة التي يعاني منها سكانها كنتيجة من نتائج الحرب، استفرد بها طيران التحالف بغارات ما يسمى خاطئة، واستفرد بها الحوثيون طويلاً، وتناسلت الانتهاكات بحق هذه المدينة وأبنائها، وبقيت لوحدها تصارع الموت والألم بعيداً عن أعين الإعلام والعالم معاً.
حي الهنود وجع مستمر
يقع هذا الحي بمحافظة الحديدة، الجميع يتذكر هذا الاسم جيداً، الزمان 21 سبتمبر/ أيلول 2016م، الحدث غارة جوية استهدفت الحي ومجلس للعزاء بعدة غارات، أودى بحياة أكثر من 28 مدنيا و8 أطفال و32 مصابا بإصابات مختلفة. لم يكن الحدث بعيدا عن أعين الناس وأسر الضحايا الذين تلقوا الأمر بصعوبة بالغة، وبشيء من الذهول، ولا يزال البعض يعاني من آثار نفسية جراء القصف ونتائجه حتى اليوم.
المواطن أبو بكر سالم، في محافظة الحديدة يعتبر هو الناجي الوحيد من بين أفراد أسرته، لم يكن له أن يحتمل المشهد من كثر الصدمة التي أصابته جراء الحادثة، لقد غادر لشراء بعض الحاجيات لأسرته، فكانت الرحلة الأخيرة والفراق النهائي بينه وبين عائلته.
حاول أن يستعيد نشاطه بعد أن تساقطت فوقه قليل من الأخشاب التابعة للمكان الذي كان يقف فيه، يقول: حاولت الوقوف بعد أن سقطت على الأرض من شدة الانفجار، لقد مررت بحالة صدمة ودوار، تخيلت فقدان أسرتي، كنت أرى نفسي وحيدا في هذا العالم المشؤوم".
لم يستطع الاستمرار في الحديث معنا فهو يعاني من نوبات متقلبة نتيجة للفاجعة التي تعرض لها، وفي حديثنا معه، حيث يدخل في غيبوبة تامة بفعل إصابته في حادثة استهداف الحي".
السجن واللحظات الأخيرة
"كانت تلك اللحظات من أصعبها على جميع المتواجدين بالسجن، لقد كانت حياتنا مرهونة بضغطه زر يمكن أن يطلقها الطيار في أي وقت، تحدث (ي، أ) الذي رمز لاسمه في تصريح لموقع قناة بلقيس، وهو أحد الناجين من القصف الذي استهدف سجن الزيدية بمحافظة الحديدة.
ففي يوم السبت 26 أكتوبر 2016م، قصف التحالف السجن والذي يحوي أكثر من 100 سجين، ويضيف " لقد كانت هذه اللحظة التي تم فيها قصف السجن هي اللحظة التي لم أكن أتوقعها في حياتي، رأيت فيها الموت، ولكن بعدها سمعت صرخات من عنابر السجن فعرفت أنني لا زلت على قيد الحياة، حاولت التحرك ولكن كانت قدمي اليمني مهشمة بالكامل، مع كسر في الحوض ودخلت في غيبوبة ولم أشعر بنفسي إلا بالمستشفى".
لقد كان المشهد صعبا، والحمد الله أنني حظيت بحياة أخرى منحها الله لي، ولكني ولله عندما أذكر السجناء الذين قتلوا أصاب بحالة من الصدمة وعدم الاستقرار النفسي".
وحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القصف تسبب في قتل 63 سجينا، وإصابة 67 آخرين. كان الكثير من الضحايا مسجونين لقضايا جنائية وأمنية وبعضهم دون تهم.
وبفعل هذه الحوادث يعاني الكثير من المواطنين من الاستهداف الممنهج للتحالف بقيادة السعودية والإمارات للمواطنين العزل، فمثلها كذلك سجن عبس وسجن الزيدية وكذلك عرس بمنطقة الخوخة ومنطقة بني حسن وأفلح اليمن وحيس وسوق الحوك بالحديدة، ناهيك عن استهداف النازحين بمختلف الأماكن في الساحل الغربي.