ويرى خبراء مطلعون على ملف العلاقات الأميركية التركية أن ما قامت به الإدارة الأميركية حتى الآن ليس أكثر من تمهيدٍ لمعركة سوف تتصاعد بالتدريج حتى انتخابات الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويقول هؤلاء إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، غير مستعد للتهدئة قبل هذا التاريخ، لأنه وضع الورقة التركية في البازار الانتخابي، وبات يعوّل عليها لتغطية إخفاقاته الداخلية الكثيرة.
وتبدو قضية القس الأميركي أندرو برانسون موضوع الشد والجذب الحالي، ورقة ذات وزن خاص من بين أوراق كثيرة بين واشنطن وأنقرة. ومن دون شك، فإن ترامب، مدفوعا بضغط نائبه مايكل بنس والقاعدة الإنجيلية الانتخابية، مزمعٌ على أن يذهب حتى النهاية لكي ترضخ أنقرة، وتسمح بسفر القس إلى الولايات المتحدة قبل الانتخابات من دون قيد أو شرط. والملاحظ هنا أن أنقرة أبدت مرونة تجاه التفاهم على حل لهذه القضية، وأرسلت رسالة واضحة إلى واشنطن من خلال الإفراج عن القس بعد 20 شهرا من الاعتقال، وتحويله إلى الإقامة الجبرية في يوليو/ تموز الماضي، ولكن تبين أن مصلحة ترامب هي في عدم التفاوض على هذه المسألة، بل استثمارها انتخابيا، بتحويلها إلى مشكلة كبيرة وإثارة ضجة إعلامية وسياسية تجعل منها ذات وزن أكبر في انتخابات الكونغرس.
ويرى الخبراء أن أصوات الناخبين الإنجيليين في هذه الانتخابات تحمل أهمية كبيرة للجمهوريين، ويسعى ترامب، من خلال تقرّبه للإنجيليين، إلى كسب أصواتهم، في محاولة لتعويض ما قد يخسره من أصوات اليمين المتطرّف، نتيجة إقالته أحد كبار مستشاريه، ستيف بانون، وفريقه من منصبه، وهناك من بين الخبراء الأميركيين من يعتقد أن "تهديدات ترامب متعلقة تماما بالسياسة الداخلية للبلاد، ولا علاقة لها بتركيا".
شكلت زيارة وفد تركي رفيع المستوى إلى واشنطن في الآونة الأخيرة انعطافة في العلاقات، حيث تعرّض الوفد لمعاملة غير لائقة، ولا تحصل عادة بين الحلفاء، ورجع من هناك من دون تحقيق الهدف المنشود. وتقول معلومات إنه لم يكمل زيارته بسبب شروط الاستسلام التي طرحها الجانب الأميركي. ولقي التصرّف الأميركي البعيد عن الدبلوماسية ردود فعل غاضبة ومستنكرة، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، فهناك من يرى أن معاملة تركيا الحليف في حلف شمال الأطلسي بهذه الرعونة سوف يدفعها باتجاه روسيا، الأمر الذي سيشكّل خسارة للأطلسي والولايات المتحدة وأوروبا، لاسيما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يطمح إلى تفكيك الحلف.
وفي السياق نفسه، هناك تحذيرات من أن تترتب على النزاع التركي الأميركي أزمة اقتصادية كبيرة، ولن تقتصر آثارها على الصعيد الثنائي، وذلك بعد أن برز رد فعل سلبي من الأسواق المالية على ارتفاع سعر صرف الليرة. وعلى الرغم من أن الآثار بقيت طفيفة حتى الآن، إلا أن خبراء يقدّرون أن الارتدادات سوف تصيب المؤسسات المالية والقطاع المصرفي في أوروبا، على وجه التحديد، كما تسود مخاوف من أن الضغط الأميركي على تركيا سوف يؤدي إلى هجرة الاستثمارات من عدة بلدان نحو الولايات المتحدة التي تنافس الجميع، بسبب رفع سعر الفائدة. ومن هذه البلدان الأرجنتين، جنوب أفريقيا، البرازيل، أوكرانيا، الأمر الذي سوف يقود إلى انكشاف اقتصادات هذه البلدان الناشئة التي تعيش حالة هشاشة.
لن تقف الأزمة عند القس، وحتى إذا تم ترحيله، فإن التداعيات مستمرة وتتصاعد.