ويبرهن الدرس الإيراني على ميوعة أميركية، وعدم تشدّد بريطاني أوروبي حيال العقوبات على النظام السوري، وكان لمواقف هذه الأطراف وقع الصدمة على السوريين الذين تابعوا مسار قضية الناقلة والتهديدات التي أطلقتها واشنطن ولندن وباريس، وكلها كانت تحمل تعهداتٍ بمنعها من الوصول إلى النظام السوري. وكان الطرف الأكثر حدّة في ردود الفعل هو الولايات المتحدة التي أوحت، في مرحلة معينة، أنها قد تعترض الناقلة في عرض البحر، وتمنعها من الوصول إلى السواحل السورية. ولهذا ضغطت على عدة دول، منها قبرص واليونان وتركيا ولبنان، من أجل منع الناقلة من تفريغ حمولتها لصالح مشترين في أسواق النفط.
وفي الوقت ذاته، يؤكد التصرف الإيراني أن البلطجة الإيرانية مستمرة، وأنها بلا حدود، ولا تكترث أو تتأثر بالعقوبات الدولية، حين يتعلق الأمر بمساندة النظام السوري من جهة.
ومن جهة أخرى، أن الاستثمار الإيراني في النظام السوري قضية غير قابلة للنقاش بالنسبة للإيرانيين، كما هو الحال مع حزب الله والحوثيين والجماعات الطائفية في العراق. ويبدو أن إيران ليست في وارد المساومة أو التخلي، تحت الضغوط، عن أيٍّ من هذه المواقع المتقدمة في حروب إيران الخارجية. وهنا يسقط احتمال أن تسفر الضغوط الروسية على إيران من أجل الانسحاب من سورية، تجاوبا مع الأفكار التي ناقشها اجتماع القدس على مستوى مسؤولي الأمن القومي في إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا في نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وبدلا من ذلك، تعزّز إيران حضورها في سورية، بفضل المواقف الانهزامية الدولية.
هنا تجدر الإشارة إلى أنه لا جدوى من التعويل على حربٍ دوليةٍ لإخراج الإيرانيين من سورية، وليست هناك أهمية للأحلاف التي تتشكل الآن في الخليج، من أجل محاربة إيران. وتتمثل محصلة تجربة الأشهر الأخيرة في أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لن يقوم بتفجير حرب مع إيران، ويميل أكثر إلى الضغط الاقتصادي. وليس مستبعدا أن تكلل هذا السياسة بالنجاح قريبا، بلقاء بين الرئيس الأميركي ونظيره الإيراني حسن روحاني، على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي.
ومن غير المستبعد أن يكون إقلاع السلطات الأميركية عن مطاردة "غريس1"، ومنعها بالقوة من دخول المياه السورية، ومن ثم إقالة مستشار الأمن القومي، جون بولتون، هو من باب عدم تخريب الوساطة الفرنسية من أجل عقد قمة ترامب روحاني المرتقبة. وإذا صحّ هذا التقدير، فإن ما يحكم سلوك إيران هو سياسة الابتزاز، فبدلا من أن تلتزم طهران التهدئة قبل القمة، تذهب نحو انتزاع أكبر قدر من التنازلات الأميركية.
لا جدوى من التعويل على حربٍ دوليةٍ لإخراج الإيرانيين من سورية، وليست هناك أهمية للأحلاف التي تتشكل الآن في الخليج، من أجل محاربة إيران
وفي ما يخص أهل سورية المنكوبين، تبقى الخيارات محدودة، فبالإضافة إلى مقاومة المشروع الإيراني بكل السبل، لمنعه من تثبيت دعائمه على الأرض السورية، لا بد أن يواصل السوريون العمل على تحريك الرأي العام من أجل إعمال القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، بوصف سورية بلدا محتلا من إيران وروسيا. وهذا واجب على السوريين أن يقوموا به، بعيدا عن الإحباط، ووفق سياسة النفس الطويل التي كانت المحرّك لكل حروب التحرير.