صاحبي هذا تسكنه إنسانية تجعلنا نقف أمامه أقزام ونواري أنفسنا خجلاً.
حل المساء وكعادة صاحبي، ظل يدندن بأغانٍ اللوعة والشوق للحبيب وأناشيد وطنية وآخرى محفزة على التحرر من العبودية والذل.. وبينما كان يدندن بأغنية " طائر الأشجان" والتي أجهل كلماتها لمن تكون، مر من أمامنا مختل عقلياً بنصف ملابس تستر جسده، نهض صاحبي وخلع رداءه "الكوت" وأمسك بالمختل عقلياً وألبسه إياه ثم منحه البطانية التي كان يتغطى بها من صقيع البرد الذي هبط على العاصمة صنعاء هذه الأيام بشدة، وعاد ليجلس مكانه على كرتون مواصلاً دندنته، وأنا عاجز عن اصدار أي ردة فعل جراء ما قام به تجاه المختل عقلياً، فمهما قلنا أنه تصرف يعكس روح وجوهر الإنسانية فلن يفِ حقه في الانصاف.
تجمدت مكاني لا حراك لي، وشرد ذهني لاستحضار الطاعون الذي ينهش اليمن وروح الأبرياء فيها وصانعي هذا الطاعون.. توقفت على اسهال مؤججي الحرب والاقتتال _ أقصد ما يصدر عنهم من كلام أقل ما يمكن وصفه بالإسهال البكتيري القاتل لما حوله من حياة قدستها الشرائع السماوية وشددت عليها.
هل يستطع من ينصبون أنفسهم على الغير باسم الله أو سواه، هل يستطع أن يقدم فائض من ملابسه التي سُلخت من روح الوطن والمواطن، أن يقدمها لمختل عقلياً يجوب عارياً جائعاً شوارعاً يدعون أنهم جاءوا لينقذوا أهلها من الفقر والذل والهون
تساءلت في قرارة نفسي: هل يعرف تجار الحروب أن هناك مختل عقلياً يجوب الشوارع عارياً جائعاً مشرداً على جغرافيا بلد يفتك به طاعونهم_ الحرب التي أشعلوها، لو أبصره حاملي الرسالات السماوية لأجمعوا بأن كل من تحدث بصيغة الجمع مُنصّب نفسه على مجتمع بقوة النار وباسم الله بأنه قاتل روح الإنسانية ومعتدٍ على شرائع الله وحاملي رسالته السماوية.
تساؤل أخر خطر ببالي: هل يستطع من ينصبون أنفسهم على الغير باسم الله أو سواه، هل يستطع أن يقدم فائض من ملابسه التي سُلخت من روح الوطن والمواطن، أن يقدمها لمختل عقلياً يجوب عارياً جائعاً شوارعاً يدعون أنهم جاءوا لينقذوا أهلها من الفقر والذل والهون.. أما أن تسأل هل يستطيعون أن يتنازلوا على رداء وحيد يملكونه لإنسان يقتله البرد والجوع والحرب التي أشعلوها فهذا محال.
الله ورسله ورسالاتهم والأوطان لا تحتاج إلى من يدعي أنه قدم لحمايتهم، بل يحتاجون إلى أن نحبهم بنقاء فقط وصاحبي المأزوم نفسياً جسّد ذلك الحب بتنازله بملابسه وبطانيته للمختل عقلياً، فيما تجار الحروب يصرون على العكس.. وهذا الفارق ما بين صاحبي وتجار الحروب.