يسكن اليمنيون بعض المناطق الجبلية العالية، فمدينة صنعاء تقع على ارتفاع 2300 متر عن سطح البحر، وتتميز بجوّها الجميل على مدار العام، وفي المقابل تعاني مدينة الحديدة الساحلية من الحر الشديد في فصل الصيف، فاليمن يتميز بتداخل سهله وجبله وبحره وصحرائه في مشهد مبدع اختاره الله أن يكون منبتاً للعرب.
كم أنا محظوظ شخصياً بأنني عملت معهم لفترة تزيد عن السنتين، وتعمقت في تاريخهم وجغرافيتهم وطريقة عيشهم، فقابلت أصدقاء من شتى المحافظات اليمنية.
كانت تعز حاضرة بقوة، وكان الكثير من الأصدقاء قادمين من المدينة والريف، فمن تبة سوفتويل وحتى شرعب السلام حكايات كثيرة سمعتها وعشتها وعاصرت حربها وحصارها، وكان الوقوف طويلاً عند المعاناة وطرق تهريب الأغذية والمستلزمات على ظهر الحمير بين الوديان وفوق الجبال، ومن معبر كان يتسلى مجموعة من القناصة في اصطياد المدنيين فيه.
يتصف التعزي بعناده وكبريائه، ويخطو سريعاً باتجاه التطور والخروج من العادات البالية، فتجد ثقة في النساء، وأنفة وصبراً ومواظبة من الرجال، دائماً ما كان التعزيون يحدثونني عن المقارنة ما بين التطور في عدن وصنعاء وما بين تعز، وبالنهاية كلهم متفقون على أنه خير للنهوض باليمن.
الكلمات التي تتميز بها كل منطقة كانت حاضرة في مقر عملنا الذي كنت أسميه اليمن المصغر، فالكلمة التعزية (يا منعاااه) كانت دائماً ما تتردد بينهم، وهي ما تعني (أقصدك بخدمة وأعرف أنك ستلبي)، وكانت الجملة الصنعانية (اندكو اندكو فوق التلاجة) ترافقها ضحكة خفيفة من بعض الموجودين، وهي تقصد أن الشيء الذي تريد موجود فوق الثلاجة، وكذلك بعض الجمل مثل: (جاي يقولي بيتهم على طلعة)؛ للدلالة على تكبر أحد الأشخاص، والكثير الكثير.
العدنيون كذلك كانوا من ضمن الشعب الجميل الذي تعرفت عليه، وكان واضحاً إرث الحضارة البريطانية مرسوماً في تعاملاتهم وبعض صور مدينتهم التي كنت أراها وأتعامل معها بحكم العمل، كانت النساء العدنيات يتميزن بقوة الشخصية، وتعلقهن الكبير بالهوية اليمنية عامة، وبالهوية الجنوبية بشكل خاص، فبالرغم من حبهن للوحدة، فإن ولاءهن لليمن الجنوبي ما زال موجوداً وبقوة.
أما الشباب العدنيون فلهم طبيعتهم الخاصة، فبين المرح والفكاهة وحب الحياة ملامح تتكون منها شخصية الشباب، وتعكس تعاملهم مع الآخرين.
كل المحافظات اليمنية تتميز بطبيعة سكان خاصة، وما يجمع الكل هو الطيبة والبساطة في التعامل، والابتعاد عن التعقيد، والركيزة الأساسية التي يستند إليها الجميع هي حب اليمن.
وفي الاتجاه المقابل تتربع محافظة ريمة على قمم الجبال؛ لتصبغ سكانها بصبغة جبلية أصيلة وعزة نفس وإباء واضحة بقوة، وحالها كحال أغلب محافظات اليمن خرج منها مبدعون وقادة وتميزوا كونهم يحملون روح الجبل، وجبروت الصخر الأصم، نساءً ورجالاً.
أما الشبويون أو سكان محافظة شبوة فهم ملح الجلسات، وجديتهم المقرونة بدعابة وخفة دم تُضفي على المكان نكهة خاصة.
كل المحافظات اليمنية تتميز بطبيعة سكان خاصة، وما يجمع الكل هو الطيبة والبساطة في التعامل، والابتعاد عن التعقيد، والركيزة الأساسية التي يستند إليها الجميع هي حب اليمن.
الغناء اليمني تشعر به كأنه من الماورائيات، فعندما تستمع إلى أبو بكر سالم وأغاني وألحان أيوب طارش تعلم جيداً عن ماذا أتحدث، فلصوت العود إكسير خاص مستخلص من رسوخ الجبال وتراصف موج البحر.
أشعار البردوني وكلماته تحضر كوجبة رئيسية على موائد الاستماع لدى اليمنيين، وكذلك الكثير ممن تعرفت عليهم ينظمون الشعر وببراعة.
لن تشعر بالجوع حين تكون مع اليمنيين فرائحة المندي والمظبي والفحسة والسلتة وبنت الصحن والعصيد كفيلة بإشباعك حد التخمة، ولتشبع نظرك من الطعام سترافقك الزحاوق، التي هي عبارة عن مزيج من الطماطم مع الفلفل الحار والكزبرة والكمون.
الروتي والطاوة مصطلحات تدل على نوع الخبز ومذاقهم لا يوصف.
رمان صعدة ومانجو حجة وعنب صنعاء وموز الحديدة ونخيل حضرموت والكثير من الفواكه والثمار تشكل لوحة من جنة اليمن.
ولا أنسى جزيرة سقطرى التي تعتبر من النوادر في العالم، وتقع في المحيط الهندي وتتميز بمعالم وطيور وأشجار تكاد تكون الوحيدة على الكرة الأرضية.
إن كنت تمتلك صديقاً من اليمن ستعرف ماذا تعني اللمة والأهل والمحبة والمساندة والطيبة والشهامة.. هم اليمنيون يا سادة فرافقوهم.