وفي مايو من العام المنصرم التقيت دولة رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر في إسطنبول الذي وعد بثقة بأن الحكومة ستعمل على محو أثر هذا القرار بمجرد استعادة البنك المركزي اليمني، وقد تمت استعادة البنك بالفعل في نوفمبر من العام نفسه، لكن هذا الأثر لا يزال يهيمن على حياة هؤلاء الصحفيين الذين تفرقت بهم السبل وحطوا في بلدان وتشردوا في وطنهم بلا مرتبات، وانسكبت على حياتهم هموم وأثقال معيشية لا يحتملها إلا المؤمنون بوطنهم وقضيتهم.
لم نفقد زملائي وأنا الأمل بعد في رئيس الوزراء، ولا أشك أبداً في وفاء الرجل وصدقية توجهه، ولا يمكن أن يكون من صنف السياسيين الذين لا يفون بوعودهم، ورهاننا أن الدكتور بن دغر يتصرف حتى الآن من منطلق الإيمان بالقضية الأساسية وهي وحدة الدولة والوطن اليمني وإنصاف اليمنيين المغدورين، على نحو يخالف التوجهات العامة للمحيطين به في مدينة عدن الذين يعملون في أكثر من اتجاه وينساقون مع أي موجة.
لقد وجه دولة رئيس الوزراء بصرف المرتبات المقطوعة منذ أوائل العام 2015، لكن لأن أمراً كهذا مر عبر سلسلة من المستويات الإدارية في المالية، لا يؤمن أصحابها ربما بأنهم جزء من الدولة اليمنية، فلم يلقوا بالاً لأوامر رئيس الوزراء وحافزهم في ذلك أن هؤلاء المقطوعة رواتبهم هم من محافظات بعيدة عن عدن وحراكها وأولوياتها، فلماذا يهتمون بهم؟.
لم يتوقف هؤلاء الصحفيون عن القيام بواجباتهم تجاه الدولة اليمنية والوطن، فهم في كل جبهة يقاتلون تحت مظلة الشرعية، ليس لأنهم يريدون ثمناً لمواقفهم، ولكن انطلاقاً من شعورهم بالانتماء لهذا الوطن المغدور من قبل الحثالة الانقلابية وامتداداتها من الداعمين الإقليميين الذين تتعدد أهدافهم وتتناقض على الأرض اليمنية، لكنهم يتفقون على ضرورة مصادرته والاستئثار به وبموقعه الجيوسياسي، ومحاولة اللعب على تناقضاته المناطقية والمذهبية والعمل الحثيث على إضعافه وتحويله إلى مستنقع آخر في ساحة الصراع العربية المفتوحة من ليبيا وحتى العراق.
وجه دولة رئيس الوزراء بصرف المرتبات المقطوعة منذ أوائل العام 2015، لكن لأن أمراً كهذا مر عبر سلسلة من المستويات الإدارية في المالية، لا يؤمن أصحابها ربما بأنهم جزء من الدولة اليمنية، فلم يلقوا بالاً لأوامر رئيس الوزراء
الحكومة حينما تتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه هؤلاء الصحفيين، فهي تسهم في إضفاء المصداقية على قرارات الانقلابيين وتثبيتهم كسلطة حقيقية، تتخذ القرارات فتحترمها حكومة عدن وتتعامل معها كأمر واقع، ثم تصرخ في الفضاء مطالبة بإدانة الممارسات غير القانونية التي تقوم بها الميلشيا في صنعاء.
ليس لدي ما أقوله لدولة رئيس الوزراء سوى التذكير بأنه إذا لم يتمكن من تنفيذ أوامره ضمن المحيط التنفيذي الضيق الذي يتعايش معه في قصر المعاشيق والمالية والبنك المركزي اللذين لا يبعدان كثيراً عن القصر، فكيف ستتمكن حكومته من إنجاز استحقاقات استعادة الدولة والوطن، وصون الوحدة والكرامة؟.
وهنا من حقنا أن نتساءل بإزاء الموقف المتعنت الذي تظهره مالية عدن تجاه حقوق الصحفيين الـ39 المصادرة: من هو صاحب القرار في حكومة دولة رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر؟.