وقبل رحيل الخميني من الدنيا الفانية كان لا بد للمؤسس من ابتكار طرق مناسبة لتنفيذ الفكرة، وتبعاً لذلك اتَّسع درب العملية السياسية لتعدد الوجوه وواحديّة المرجعية، وهكذا أصبح علي خامنئي الحاكم الفعلي، وأصبح خطابه الدوري برنامج عمل ملزماً لمؤسسات الدولة الإيرانية، فيما تمَّ تسييج المؤسسة الدينية السياسية الحاكمة، بأجهزة قانونية وبرلمانية وعسكرية، يمثّلها الحرس الثوري على المستوى العسكري، والقضاء الناظم لمركزية الإمام ومن معه على المستوى القانوني، والبرلمان الموالي في أغلبيته لنظرية ولاية الفقيه على المستوى التشريعي، وبالمقابل يتحوَّل الرئيس وجهازه الحكومي إلى لاعبين يناورون ويداورون لابتكار أفضل السّبل التنفيذية لما يراه المرجع الديني، وعلى المستويات الممتدة كافة، من أعلى لأدنى السلم «الهراركي» للنظام
كان الرئيس أحمدي نجاد النموذج الأكثر تماهياً مع المرجعية الدينية السياسية، بل كان يقدّم المثال «الطّهراني» في ذاته وأقواله وتصرفاته
.
سمح النظام بانتظام هذه اللعبة التعددية الظاهرة، كوسيلة لفن تعميم مرئيات المرجع ونظرياته والتي تتلخَّص في الثورة العالمية الدائمة.
ما يهمنا في هذا الاسترجاع هو ذلك البُعد المُسربل بالقداسة في مركزية الإمام الولي الفقيه.. العارف والمُفسِّر والرائي والمعصوم أيضاً، والمعنى الناجم عن القبول بكلمته التامَّة القاطعة المانعة، وكيف أن لاعبي الميدان الناسوتيين ليسوا في نهاية المطاف سوى مُنفذين طائعين مُتفانين في تنفيذ ما يراه المرجع.
لقد بدا هذا الأمر جلياً في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، كما تكرر مع الرئيس الحالي حسن روحاني، فكلاهما حاول الخروج من عبء المركزية شديدة التقطير، لكنهما لم يتمكَّنا من ذلك، وقد كان الراحل هاشمي رافسنجاني داعماً معنوياً ومرجعياً لتيار الإصلاح الديني السياسي في إيران، لكن رحيله كشف ظهور الإصلاحيين وأرجعهم إلى مربع «السمع والطاعة» لما يقوله المرشد الأعلى للثورة.
بالمقابل كان الرئيس أحمدي نجاد النموذج الأكثر تماهياً مع المرجعية الدينية السياسية، بل كان يقدّم المثال «الطّهراني» في ذاته وأقواله وتصرفاته، حتى أن البعض من سدنة النظام أدركوا أن نجاد، وبقدر إخلاصه وانخطافه بالنظام الديني السياسي، بدا لهم وكأنه شوكة في خاصرة النظام، فكان الخيار الإصلاحي ممثلاً في الرئيس الحالي حسن روحاني النموذج المطلوب من زاويتين.. لحُسن إدارة لعبة الكر والفر السياسية المقرونة بالضغوط الأمريكية والأوروبية على النظام من جهة، والالتزام بعدم الخروج من الملعب المحدد له ولأنصاره من جهة أُخرى، فالحرس الثوري، والمؤسسة القضائية الدينية، والبرلمان المحافظ، جاهزون في كل لحظة وآن للتصدِّي لمن يتجاوز الخطوط الحمر في اللعبة السياسية الداخلية الإيرانية.
بهذه الروحية جرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولا بد هنا من الإقرار بأن تيار المحافظين الموالين للمرجعية ما زال يسيطر على مفاصل السلطة والدولة، وأن تيار الإصلاحيين التوَّاقين لشكل من أشكال الإصلاح البنيوي للنظام محكوم بجبرٍ اختياري، يجعله تنويعاً على ذات النظام.. لا خروجاً عن ثوابته التي سطّرها الخميني ومن ثم خامنئي، فسار على دربها المرشح الرئاسي المنافس لروحاني «إبراهيم رئيسي»، والمرشح أيضاً كخليفة لخامنئي.
ما يهمنا في هذا الاسترجاع هو ذلك البُعد المُسربل بالقداسة في مركزية الإمام الولي الفقيه.. العارف والمُفسِّر والرائي والمعصوم أيضاً، والمعنى الناجم عن القبول بكلمته التامَّة القاطعة المانعة، وكيف أن لاعبي الميدان الناسوتيين ليسوا في نهاية المطاف سوى مُنفذين طائعين مُتفانين في تنفيذ ما يراه المرجع.
لقد بدا هذا الأمر جلياً في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، كما تكرر مع الرئيس الحالي حسن روحاني، فكلاهما حاول الخروج من عبء المركزية شديدة التقطير، لكنهما لم يتمكَّنا من ذلك، وقد كان الراحل هاشمي رافسنجاني داعماً معنوياً ومرجعياً لتيار الإصلاح الديني السياسي في إيران، لكن رحيله كشف ظهور الإصلاحيين وأرجعهم إلى مربع «السمع والطاعة» لما يقوله المرشد الأعلى للثورة.
بالمقابل كان الرئيس أحمدي نجاد النموذج الأكثر تماهياً مع المرجعية الدينية السياسية، بل كان يقدّم المثال «الطّهراني» في ذاته وأقواله وتصرفاته، حتى أن البعض من سدنة النظام أدركوا أن نجاد، وبقدر إخلاصه وانخطافه بالنظام الديني السياسي، بدا لهم وكأنه شوكة في خاصرة النظام، فكان الخيار الإصلاحي ممثلاً في الرئيس الحالي حسن روحاني النموذج المطلوب من زاويتين.. لحُسن إدارة لعبة الكر والفر السياسية المقرونة بالضغوط الأمريكية والأوروبية على النظام من جهة، والالتزام بعدم الخروج من الملعب المحدد له ولأنصاره من جهة أُخرى، فالحرس الثوري، والمؤسسة القضائية الدينية، والبرلمان المحافظ، جاهزون في كل لحظة وآن للتصدِّي لمن يتجاوز الخطوط الحمر في اللعبة السياسية الداخلية الإيرانية.
بهذه الروحية جرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولا بد هنا من الإقرار بأن تيار المحافظين الموالين للمرجعية ما زال يسيطر على مفاصل السلطة والدولة، وأن تيار الإصلاحيين التوَّاقين لشكل من أشكال الإصلاح البنيوي للنظام محكوم بجبرٍ اختياري، يجعله تنويعاً على ذات النظام.. لا خروجاً عن ثوابته التي سطّرها الخميني ومن ثم خامنئي، فسار على دربها المرشح الرئاسي المنافس لروحاني «إبراهيم رئيسي»، والمرشح أيضاً كخليفة لخامنئي.
لم يُقيَّض لرئيسي الفوز في الانتخابات ووراثة المرجع الديني تالياً، حتى يتمكَّن من مجد الجمع بين الولايتين الدينية والدنيوية، ليصبح نسخة جديدة من الخميني
هذا الجيل سوف يصاب بخيبة أمل بالغة بعد فوز روحاني الذي سيعيد إنتاج المنتج المعروف في الوضع الاقتصادي الداخلي، باعتباره فاقداً للحيلة والفتيلة.. مثله مثل بقية من يسمّون الإصلاحيين
.
خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، وبناء على استفتاءات المراقبين للحملة الانتخابية الرئاسية، تعادلت فرص المتنافسين آنذاك، غير أن الجيل الجيد كان يميل حصراً للتغيير المأمول من قبل الإصلاحيين. ولعل هذا الجيل سوف يصاب بخيبة أمل بالغة بعد فوز روحاني الذي سيعيد إنتاج المنتج المعروف في الوضع الاقتصادي الداخلي، باعتباره فاقداً للحيلة والفتيلة.. مثله مثل بقية من يسمّون الإصلاحيين.
أما بالنسبة للنظام فإن روحاني ورئيسي حملا مفردات إيجابية، طالما أن السلطة الفعلية تبقى بيد المرجعية وأجهزتها الأيديولوجية الضاربة، فروحاني سيعطي أعداء النظام الكبار كالولايات المتحدة، مساحة لآمال تصالحية، كما حدث في عهد أوباما، أما رئيسي الذي خسر فسيعزز من مكانة المركزية الدينية السياسية حتى وهو خارج اللعبة الرئاسية، وسيجعل مؤسسة المرجع في تمام الطمأنينة من أي قلق داخلي، وبهذا المعنى.. لن يغير أي منهما آليات النظام وثوابته
خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، وبناء على استفتاءات المراقبين للحملة الانتخابية الرئاسية، تعادلت فرص المتنافسين آنذاك، غير أن الجيل الجيد كان يميل حصراً للتغيير المأمول من قبل الإصلاحيين. ولعل هذا الجيل سوف يصاب بخيبة أمل بالغة بعد فوز روحاني الذي سيعيد إنتاج المنتج المعروف في الوضع الاقتصادي الداخلي، باعتباره فاقداً للحيلة والفتيلة.. مثله مثل بقية من يسمّون الإصلاحيين.
أما بالنسبة للنظام فإن روحاني ورئيسي حملا مفردات إيجابية، طالما أن السلطة الفعلية تبقى بيد المرجعية وأجهزتها الأيديولوجية الضاربة، فروحاني سيعطي أعداء النظام الكبار كالولايات المتحدة، مساحة لآمال تصالحية، كما حدث في عهد أوباما، أما رئيسي الذي خسر فسيعزز من مكانة المركزية الدينية السياسية حتى وهو خارج اللعبة الرئاسية، وسيجعل مؤسسة المرجع في تمام الطمأنينة من أي قلق داخلي، وبهذا المعنى.. لن يغير أي منهما آليات النظام وثوابته