وطالما تمكن من إقناع الطرفين بالعودة لطاولة المشاورات غير المباشرة فهذا مؤشر ايجابي برأيه يمهد الطريق لإحياء المسار السياسي المتعثر والبداية من تحقيق اختراق في إجراءات بناء الثقة والجانب الإنساني والتي تشمل تنازلات متبادلة من الجانبين في إطلاق المختطفين والأسرى وتسهيل وصول المساعدات وحلحلة قضية رواتب الموظفين الحكوميين.
ومثل أي مبعوث أممي فإن دعوة أطراف الصراع للقاء حتى لو كان بشكل غير مباشر من مهام عمله بغض النظر إن كانت الأجواء تسمح بتحقيق نتيجة أم لا، مع أن المطلوب منه أكبر من ذلك ولا يقتصر على عدد اللقاءات والزيارات.
كل ما سبق الإشارة إليه مفهوم في طبيعة عمل المبعوث، لكن المهم هو هل الفاعلين الإقليميين والدوليين بالأزمة اليمنية لديهم استعداد جدي لإنجاح عملية السلام، وما هو حجم الجهد الذي يمكن أن يقوموا به غير التصريحات الدبلوماسية والإعلامية؟
يدرك المهتمون بما يجري في اليمن أن أي حل قريب أو بعيد مرتبط بدرجة كبيرة بموقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة بالصراع بشكل مباشر أو غير مباشر، ثم بدرجة أقل موقف الأطراف اليمنية نفسها التي فقدت الكثير من قرارها لصالح الداعمين الخارجيين.
وعندما يكون التأثير الخارجي بهذا الشكل، يصبح التعويل على مجرد عقد اللقاءات أو مواقف الأطراف المحلية غير مهم كثيرا ما لم تكون مواقف داعميها واضحة وجادة يمكن قياسها بالنسبة للمبعوث من خلال وعود بضغوط معينة أو اتخاذ إجراءات بحق الأطراف المعرقلة للتسوية.
والأطراف المؤثرة إقليميا هي التحالف الذي تقوده السعودية ويدعم الشرعية من جهة وإيران الداعم البارز للحوثيين، وكلا الطرفين يظهران دعمهما للحل السياسي لكن مواقفهما الحقيقية بالنظر لأهدافهما وأفعالهما على الأرض تقول عكس ذلك.
فالتحالف لم يحقق أهدافه بإسقاط الانقلاب وإعادة الشرعية لكل جغرافيا اليمن ولم يقض على قوة الحوثيين العسكرية والتي باتت صواريخهم الباليستية تصل للرياض وعملياتهم البحرية تهدد سفن النفط السعودية في البحر الأحمر، فضلا عن هذا لم تتمكن الرياض التي تقود التحالف من تأمين حدودها من هجمات الحوثيين في ظل سيطرتهم على صعدة.
وإذا كانت هذه الأهداف المعلنة لم تتحقق على الأقل بشكل كبير وخاصة المرتبطة بالسعودية فقط مثل التخلص من ترسانة الصواريخ وإنهاء خطر التهديد الحدودي، فإن الأهداف ذات النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي مثل استعادة النفوذ السعودي باليمن ليكون الأقوى وإنشاء ميناء نفطي بالمهرة وربما ضمان الاستحواذ على الاستكشافات النفطية والإنتاج والتصدير مستقبلا لم تتحقق هي الأخرى ومرتبطة باستعادة الدولة وأي قبول ببقاء الحوثي على حاله يعني هزيمة لها وبقاء الخطر في المستقبل.
بالنسبة للإمارات فلا يهمها كثيرا وقف الحرب أو استمرارها لأنها ليست على حدودها وما تريده هو ضمان نفوذ سياسي واقتصادي عبر وكلائها المحليين سواء في الجنوب عبر “المجلس الانتقالي” الانفصالي أو في الشمال من خلال نفوذ عائلة صالح بعد تقويته.
لكن هذا النفوذ الذي تحقق جزءا منه حتى اليوم غير مضمون الدوام بعد إيقاف الحرب في ظل عدم معرفة الطريقة التي ستنتهي بها وكيف سيكون وضع جميع الأطراف بمن فيهم الذين تدعمهم.
على المستوى الخارجي، تبدو مصلحة الدول المؤثرة كأمريكا وبريطانيا وفرنسا قائمة باستمرار الصراع وإن دعت علنا للحل السياسي، كونها مستفيدة من خلال بيع الأسلحة وعقد والصفقات مع السعودية والإمارات وتريد ديمومة المسار الذي يجلب المليارات.
علاوة على ذلك فهي غير متضررة من الحرب، إذ ليس لديها مصالح اقتصادية أو قواعد عسكرية تخسرها أو تشعر بالخطر عليها وهي بعيدة جغرافيا عن اليمن ولا يصلها لاجئون مع أن هؤلاء قليل جدا في الخارج مقارنة بالسوريين والعراقيين والليبيين.
وإذا سأل سائل ماذا عن الصين وروسيا، نجيب عليه بأن الأولى لا تملكأي تأثير في اليمن ولا ترغب في ممارسة ضغوط على السعودية وهي تملك علاقات ومصالح اقتصادية جيدة معها، وكذلك مع إيران.
وحتى روسيا ليس لديها ذلك النفوذ خاصة بعد مقتل صالح حليفها ولا يتوقع تشددها تجاه السعودية مع تطور العلاقات بينهما وحاجتها لها بملف النفط وهو ما ينطبق على حالها مع إيران.
والخلاصة أن مواقف هذه الأطراف المؤثرة لا يدعم التسوية كما يجب ولا يتوقع تغييره في المدى القريب، وإذا كان هذا حال الفاعلين الخارجيين المؤثرين فمن باب أولى أن مواقف الأطراف المحلية مثلهم ومرتبطة بما يتخذونه أكثر من ارتباطها بقناعاتهم المستقلة.