وفي السياق ذاته، وضعت منظمة الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي السعودية والإمارات على اللائحة السوداء بسبب الانتهاكات الجسيمة ضد السكان المدنيين، وخصوصاً الأطفال الذين باتوا يشكلون أكثر ضحايا هذه الحرب العبثية.
لا يمر يوم من دون أن تحصل فيه مجزرةٌ بحق المدنيين، بواسطة الطيرانَيْن الحربيين السعودي والإماراتي. وعلى الرغم من أن المنظمات المعنية لا تستطيع الوصول إلى المواقع التي يستهدفها القصف في مدن، مثل الحديدة وصنعاء وصعدة، لكنها تورد باستمرار تقارير من مصادر مختصة، تكشف فيها عن الاستهتار غير المحدود الذي يتمتع به الطيارون السعوديون والإماراتيون في اليمن الذي صار بمثابة ساحة تدريبٍ مفتوحة لهم، من دون أي مراعاة لحياة البشر، أو احترامهم، أو تجنب المنشآت المدنية.
والملاحظ أن الرياض وأبوظبي تتصرفان بتعالٍ شديدٍ، وهما لا تعيران أي اعتبارٍ لأهل اليمن أو المجتمع الدولي، وتستبيحان هذا البلد وسط صمت دولي تام، وكلما طال أمد الحرب ذهبتا أبعد في التجويع والتهجير وتدمير العمران والبنى التحتية وبناء السجون.
يقول التاريخ القريب والبعيد إن الشعب اليمني لا يقبل الهزيمة. هو شعبٌ محاربٌ، ويمكنه أن يصبر على ويلات الحرب، حتى يغير المجرى العام لصالحه، ولم يسبق لطرفٍ خارجيٍّ أن استقر في هذا البلد، وتمكّن من تطويع اليمنيين، بل خرج كل الغزاة بعد أن يئسوا من ذلك، لكن تدمير اليمن وسقوط ضحايا بالآلاف لن يمرّ من دون ثمن، وسيأتي اليوم التي ستتحمل فيه السعودية والإمارات تسديد الكلفة مادياً ومعنوياً، ولن يغير في الأمر أن الشرعية اليمنية تساند الحرب التي تشنّها السعودية والإمارات، فالشرعية نفسها ليست محل إجماع، وهناك انقسام يمني من حولها، ثم إنها غائبة عن الساحة، وقرارها السياسي مُصادَر، وقد عادت، منذ أيام فقط، لكي تقيم في عدن بحماية القوات الإماراتية، وهذا يعيبه عليها الشارع اليمني الذي يريد لحكومته أن تكون مستقلةً بقرارها، وغير خاضعةٍ لتأثيرات الرياض وأبوظبي.
ومهما كان حجم التجاوزات السعودية الإماراتية، فلا أحد يُسقط عن إيران المسؤولية عما يعانيه اليمن من حربٍ تدميرية، فهي التي زجّت الحوثيين في أتون هذا الصراع، ووفرت لهم كل السبل من أجل تصدير مشاريعها التوسعية إلى هذا البلد. وكما هو دأبها في سورية والعراق، فإن ما يهم طهران هو تحقيق نفوذ في هذه المنطقة، وليس مصالح أهل اليمن.
تجاوزت حرب اليمن كل التوصيفات في قاموس الكارثة، وفي ظل توازن القوى العسكري باتت موجهةً ضد المدنيين المتروكين لمصيرهم المأساوي، وأحد أهم القضايا في هذه الحرب أنها تجري وسط تعتيم إعلامي شديد، فلا توجد أي وسيلة إعلام مستقلة، تنقل صورةً مختلفةً عن التي يسوّقها إعلام تحالف أبوظبي والرياض، وكذلك الطرف الحوثي من الجهة الأخرى، كما أن هذه الحرب أقصت كل المنظمات الإنسانية التي كانت تتكفل بجزء من العون الإنساني.
وفي ذلك كله، تتحمل الأطراف الدولية المؤثرة والأمم المتحدة مسؤولية وقف هذه الحرب، بالضغط على أطرافها الرئيسية، الرياض وأبوظبي وطهران.