خطأ السعودية لم يكن سياسيا ناتجا عن سوء فهمها لتطلعات اليمنيين وضيق أفقها وحساباتها القصيرة المدى والنظر وإنما كان استراتيجيا.
لقد وضعت يدها بيد الإماميين وعلقت رهانها بأكمله منذ عام 1962 على تحالف عسكري إقطاعي قبلي وديني من خلاله هيمنت على القرار السياسي اليمني وعطلت التنمية، وأدارت ظهرها خلال نصف قرن من الزمن للشعب، وهي الآن تجد نفسها بعد أن ساهمت في الإخفاق الكارثي الذي لحق بسياستها تجاه اليمن أمام بؤرة مشتعلة وكارثة إنسانية غير مسبوقة وكتلة من 30 مليون إنسان فشلت مجتمعاتها في التحول نحو مجتمعات منتجة وخلاقة لفرص العمل لشبابها وفشلت في بناء الدولة وحكم القانون والمواطنة وفي التجديد الثقافي منذورة لعقود طويلة من الانتفاضات والنزاعات والحروب الدموية.
بالطبع ليست السعودية المسؤول الوحيد عن هذه الكارثة ولكن كان لسياساتها وتدخلاتها المباشرة والمتعددة لإجهاض أي مشروع نهضة أو تقدم منذ إجهاض ثورة سبتمبر وأكتوبر ودعم الإنجليز والإماميين مرورا بقتل الرئيس إبراهيم الحمدي ووأد مشروعه الوطني الجمهوري ودعم نظام علي عبدالله صالح رغم فساده وتخلفه ودمويته ثم العمل على إفشال ثورة 11 فبراير وتمويل دخول الحوثيين صنعاء وما تلاه من شن حرب عدوانية بعد أن اتجهت قوى الإنقلاب نحو التطبيع مع إيران، والعمل على إعادة إنتاج شكل النظام السابق وإقطاعياته مجددا من خلال تبني نفس مراكز القوى التقليدية وبناء تشكيلات عسكرية خارج سلطة الشرعية الى جانب سياستها وممارساتها غير المسؤولة تجاه المغتربين اليمنيين.
لقد لعبت السعودية دور شد اليمن إلى الوراء وإلى الأسفل وإغلاق سبل التقدم على المجتمع اليمني من وراء أعمالها الخرقاء ووعودها الجوفاء المخادعة ومساعداتها الهزيلة لتغطي بها على جوهر سياساتها الرامية إلى عزل اليمن وتهميشه
كل هذا كان على حساب أمن اليمن وسلامه أراضيه واستقراره، وكان لهذا كله دور رئيسي في وصول اليمن إلى الوضع الذي تعرفونه وترونه جميعا.
ثم لم يأت موقف السعودية اللاأخلاقي من الشرعية التي ألقت رحلها في الرياض وعملية الغدر بها المتكررة إلا ليكرس علاقة تميزت دائما بالغدر والنقمة والخوف من اليمنيين ووحدتهم وتحررهم وتقدمهم.
لقد لعبت السعودية دور شد اليمن إلى الوراء وإلى الأسفل وإغلاق سبل التقدم على المجتمع اليمني من وراء أعمالها الخرقاء ووعودها الجوفاء المخادعة ومساعداتها الهزيلة لتغطي بها على جوهر سياساتها الرامية إلى عزل اليمن وتهميشه وإضعافه لتحييده والتمكن من التحكم بمصيره الى الأبد.
ليس للسعودية من خيار إذا رغبت في ضمان مزيد من الأمن والاستقرار على أراضيها سوى التخلي كليا عن الحوثي وليس جزئيا، ومساعدة اليمنيين على دحر الإنقلاب واستعادة الشرعية والشروع فورا في إعاد الإعمار وبناء مؤسسات الدولة اليمنية الحديثة وبسط سلطتها وهيمنتها على كامل التراب اليمني، والتسليم بخيارات الشعب وطموحاته في السيادة وحكم القانون.
وفي المقابل ليس لليمنيين مخرج من لعنة الحرب الشاملة التي تطحنهم على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية سوى تحرر النخبة اليمنية الحاكمة من حالة الارتهان الكامل وموقف التابع المسكون بأشباح حقبة نظام علي صالح وذاكرتها السلبية والانخراط في شراكة تاريخية حقيقية مع دول الاقليم والعالم تعيد الأمور الى نصابها والحق الى أهله والدخول في مسار التقدم والبناء بالتفاهمات الندية.
أما أن تظل السعودية لا تكاد تظهر أي اهتمام بمصير اليمن ومستقبله إلا من زاوية ما يمكن أن يلحق بنظام آل سعود من مخاطر سياسية أو أمنية وديمغرافية، فإن الخيار الآخر هو ترك جارها القريب للإيرانيين الذين لن يترددوا في استخدامه قاعدة عسكرية عدوانية لتطويقها وتهديد أمنها واستقرارها.