تجدر الإشارة إلى أن محادثات السلام في استوكهولم محادثات غير مباشرة، ومن خلال هذا النمط من المحادثات، يمكننا أن ندرك حجم المشكلة في عدم قدرة الأمم المتحدة و مجلس الأمن على إلزام الأطراف المتصارعة بالجلوس على طاولة واحدة، فالمشاورات يمكن، بكل بساطة، أن تفشل لمجرد حدوث ملاسنة بين الطرفين.
يتعمد الحوثيون أن تكون المشاورات دائما عند هذا المستوى فقط، مشاورات عن الملف الحقوقي وتبادل الأسرى، مشاورات عن الملف الإنساني وجهود الإغاثة، و مشاورات عن الملف الاقتصادي والبنك المركزي، و مجمل القضايا التي نتجت عن الانقلاب، وأي نجاح أو تقدم يتم إنجازه، فإنه يعني تقدما في الإشكالات الناتجة عن الانقلاب، لا الانقلاب نفسه.
لا يرغب الحوثيون مطلقا بأن يتم النقاش حول الانقلاب، وعن المرجعيات الثلاث التي تمثل أساسا لحل الأزمة اليمنية، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الأممي 2216 الذي يقضي بإنهاء مظاهر الانقلاب، لهذا دائما ما يختلقون إشكالات جانبية تتعلق بالملف الإنساني والاقتصادي، ليتم استهلاك الجهود الأممية والدولية في نقاشها، ولن يتوقف الحوثيون عن اختلاق إشكالات مماثلة، فيما لو تم التوصل لحل الإشكالات القائمة حاليا، كما لن يوافقوا على مناقشة الملف السياسي أو فتحه، ما لم يضمنوا إيجاد صيغة مبدئية تستوعبهم كشريك سياسي متفق عليه من قبل جميع الأطراف الدولية والمحلية.
الحكومة الشرعية هي الطرف الأضعف في هذه المشاورات، فهي رغم أنها الممثل الشرعي للسلطة، إلا أنها لا تمتلك أوراقا للضغط على الحوثيين، كما أنها لا تملك القدرة على إنهاء الانقلاب، ولا حتى العودة إلى المدن المحررة وممارسة مهامها الإدارية من الأراضي اليمنية.
بالنسبة للمبعوث الأممي، فلم يعد يتحدث مطلقا عن قرارات مجلس الأمن، ولا حتى يشير إليها مجرد إشارة، و صار حديثه عن ما سماها "إجراءات بناء الثقة".
لدى الأمم المتحدة دائما المسميات والتوصيفات الكفيلة بتمييع القضايا، ونجاح أي مبعوث أممي لأي بلد، يعني نجاحه في خلق أوصاف وتبريرات تتفق بطريقة ما مع إرادة الدول الكبرى في التعامل مع مثل هذه القضايا.
التوجه الأممي يمثل جزءا كبيرا من رغبة الدول الكبرى التي ترى أن الحوثي هو المعادل السياسي لحركات الإسلام السياسي، وترى أن وجودها ضروري للحد من نفوذ الأحزاب الإسلامية، التي تشكل تهديدا وجوديا لبعض الأنظمة السياسية في المنطقة والإقليم.
يستجيب المبعوث الأممي لإصرار جماعة الحوثي بجعل المحادثات عند مستوى معين، لا تقارب مشكلة الانقلاب، ويظهر أن هناك اتجاها دوليا بتطبيع الوضع مع جماعة الحوثي، ففي حين أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره 2216 الذي يقضي بإلزام الحوثيين بتسليم السلاح والانسحاب من المدن، نراه يعمل من أجل إبقاء جماعة الحوثي قوة فاعلة، مع القيام بإصلاحات في الإشكالات الناتجة عن الانقلاب.
ما يشير إلى أنه لا توجد رغبة أممية جادة بإنهاء الانقلاب، وجهودها تنصب في إدارة الأزمة اليمنية، لا بإنهائها، و أعلى مستوى من النجاح يمكن أن تحققه، أو بالأصح تريد أن تحققه، هو القدرة على اقناع الأطراف بدفع المرتبات وتبادل الأسرى بالإضافة إلى فتح المطار.
عملت الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها المتعاقبين إلى اليمن، وعمل مجلس الأمن، بتقاعسه عن تطبيق قراره، على تحويل الانقلاب إلى سلطة أمر واقع، في الوقت الذي كان بيده القدرة على الحيلولة دون هذا التحول، واستكمالا لهذه الجهود فإنه يسعى لتحويله إلى فاعل سياسي، يحمل الشرعية الكاملة ، بصيغة معينة ، لن يعجز عن إيجادها تسويات المبعوث الأممي .
في اعتقادي أن التوجه الأممي يمثل جزءا كبيرا من رغبة الدول الكبرى التي ترى أن الحوثي هو المعادل السياسي لحركات الإسلام السياسي، وترى أن وجودها ضروري للحد من نفوذ الأحزاب الإسلامية، التي تشكل تهديدا وجوديا لبعض الأنظمة السياسية في المنطقة والإقليم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لدى بعض الأنظمة السياسية اعتقاد بأن الأحزاب الإسلامية تمثل حاضنة اجتماعية وفكرية للأنظمة الإرهابية المتطرفة، كالقاعدة وداعش، وبالتالي فإن الرغبة بإبقاء الحوثي لاعبا مهما في المشهد السياسي اليمني حاضرة بقوة في ذهنية تلك الدول.
تنسف المشاورات الحالية في السويد ما نص عليه القرار الأممي 2216 ، ففي حين يتعامل القرار الأممي مع الحوثيين كانقلابيين، ويلزمهم بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح وإنهاء كافة مظاهر الانقلاب ، تسعى المشاورات لشرعنتهم ، وتتعامل معهم كما لو كانوا ندا وشريكا أساسيا، لا حالة طارئة يجب إنهاؤها.
كل هذا وما زال المبعوث الأممي يتوعد بأنه سيقوم بالرفع لمجلس الأمن عن الطرف المعرقل إذا لم يتم تحقيق تقدم في هذه المشاورات، وكأن القرارات الأممية الصادرة في حق الحوثيين تم تنفيذها من قبلهم على أكمل وجه.