ولكن حركة الشعوب بأحداثها المختلفة في هذه الرحلة تصنع الفارق بينهم، فبعض الشعوب في هذه الرحلة تكتب قصة سفرها مع الزمن وبعضها في رحلة العمر تكتب قصة سفرها في التاريخ !
بمعنى آخر أن الشعوب التي تصنع أحداثاً تاريخية كبرى في رحلة العمر وينتقل أجيالها من مقعدً الى اخر نحو التقدم في هذه الرحلة هي الشعوب التي تكتب قصة سفرها في التاريخ ، عكس الشعوب التي لاتصنع أحداثاً تاريخيه ناجحه وكبرى في رحلة العمر ولا ينتقل أجيالها من مقعد الي اخر في قطار الحياه فأنها تكتب قصة سفرها في الزمن ،
فألشعوب حين تسافر في التاريخ ويكون التاريخ بأحداثه الكبرى مختبر لصناعة مستقبلها فانها دون شك في رحلة عمرها تصل الي مستقبل الاوطان ، أما حين تسافر في الزمن فأن سفرها يطول ولاتصل في رحلة عمرها الى وطن ، لانها ببساطه تفشل في صناعة الحدث التاريخي القادر على صناعة التحول التاريخي .
اليوم ونحن نضع أقدامنا في القرن الواحد والعشرين نشاهد كثيراً من شعوب العالم وصلت في رحلة عمرها الى وطن لأنها بعقل واعي ارادت ان تسافر في حركة التاريخ نحو المستقبل فصنعت في مسارها أحدثاً تاريخية أنتجت بموجبها مشروعات وطنية حولت جغرافيتها وبلدانها الى اوطان للعيش الكريم ،
اما الانسان في اليمن فإنه حتى اليوم مسافر في رحلة العمر يبحث عن وطن ولا أظنه سوف يصل في المستقبل القريب الى وطن لأنه مصر على السفر في مسار الزمن وفشل اكثر من مرة في صناعة الحدث التاريخي الذي ينتج مشروعاً وطنياً قادراً على تحويل جغرافية اليمن الى وطن للعيش الكريم ،
التاريخ توقف بناء اليمنيون في فجر التاريخ عندما صنعنا الحضارات وبنينا السدود وقهرنا قساوة الجغرافيا وتواصلنا تجارياً مع شعوب العالم، في فجر التاريخ كنا اصحاب حضاره واليوم حفاة عرات نتقاتل في الحاضر حتى يتجدد الماضي في ترويسة المستقبل .
الفرق بين الزمن كتعاقب اوقات وبين التاريخ كصيروره نحو التقدم الذي يصنع المستقبل في حياة الشعوب المسافره في رحلة العمر يكمن في قدرة الشعوب نفسها على التحرك الواعي نحو التغيير المقصود وصناعة الحدث التاريخي الذي يجعل منها قادره على مغادرة الماضي بكل قيمه السلبيه الى الحاضر المغاير والذي يمثل محطة إنتظار متجه نحو المستقبل اكثر مماهو مربوط بالماضي،اما حين تعجز الشعوب عن صناعة الحدث التاريخي الذي يدفعها في حركة تغيير الى الحاضر فأنها تظل تعيش في الماضي بين قيمه واحداثه وادواته فتعيش مسلسل من التكرار لتلك القيم والأحداث التي تجعلها تعيش زمن واحد تتوارث فيه الاخطاء والقيم الماضوية كما تتوارث الجينات وإن تعاقب عليها الاوقات فلا قيمة ولا وجود لصيرورة التاريخ هنا (فالتحرك التغييري وتكرار المتشابه يشكلان الفرق بين التاريخ كصيرورة وبين الزمن كتعاقب اوقات) هذا يعني ان التاريخ هو حركة الانسان الهادفه الى تغيير المجتمع سياسياً واجتماعياً نحو التقدم اما الزمن فهو حركة الوقت المتعاقبه حين يتوقف الانسان او المجتمع عن الحركه الايجابيه نحو التغيير وتتعطل قواه العقليه عن الانتاج والابداع وتصبح حياته تكرار لمشهد واحد لايتغير او انه يتحرك سلبياً فيعيد انتاج الماضي في حاضره وفي رحلة عمر تسير بلا هدف .
عندما تنجح الشعوب في التغيير فأنها تحول الزمن الى تاريخ والى صيرورة نحو التقدم اما حين تفشل الشعوب في التغيير فانها تسلب الزمن تاريخيته فتكون النتيجه توقف التاريخ عند جيل معين في رحلة العمر - كماتوقف في اليمن في فجر التاريخ عند الاجيال الماضيه التي صنعة حضاره - ويستمر الزمن في المسير نحو الأمام يحمل معه اجيال كثيره ولكنها غثاء سيل يحمل الجهل والفقر والمرض ويتوارث التخلف وعوامل الانحطاط .
اهل الكهف على سبيل المثال عاشوا في رحلة العمر 309 / سنين احياء في الكهف يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال كما يخبرنا عنهم القرءان الكريم( وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) ولكنهم كانو عائشين في حركة الزمن اما التاريخ فلا وجود له في حياتهم لأنه توقف في باب الكهف لحظة دخولهم وذلك لسببين أثنين الاول ان حركتهم في الكهف لم تقصد التغيير بل كانت حركة تكرار وتشابه "تقلب ذات اليمين وذات الشمال"لمدة 309/سنين لاجديد فيها يغادر القديم ولا أنتقال من الماضي الى الحاضر المتغير ، والثاني إن قواهم العقليه تعطلت وتوقفت عن الابداع والانتاج ،فالتاريخ توقف بهم في اول يوم دخلوا فيها الكهف واستمر الزمن في المسير 309/ سنين يسير بهم في رحلة عمر ، ولذلك محال علينا قراءة تاريخ عنهم في تلك السنين لانهم توقفوا عن الحركه الإيجابيه التي تتجه نحو التقدم وبقت حركتهم سلبيه تكرر الحدث الواحد المتشابه فلا ماضي ولا حاضر مغاير رغم طول الفتره المقدره بثلاثة قرون وتسع سنين .
هكذا حال الشعوب عندما تتكرر الاحداث في حركتها دون تغيير فانها تعيش زمن واحد فقط دون تاريخ او صيرورة لافرق بين ماضيها وحاضرها فالحاضر هنا تكرار هزلي لأحداث الماضي الذي يظل دوماً حاضراً ومتحكماً في كثير من تفاصيل حياتها الحاضره ، اما الحاضر الذي يكون نتيجة حركة التاريخ كصيرورة لا يتحكم الماضي بمساره وحركته المتجه نحو التقدم وصنع المستقبل المشرق.
إن التاريخ يقدم نفسه دوماً حليف للشعوب المتحركة نحو التغيير لأنه بطبيعته يتجه نحو تحقيق التقدم اما الزمن فلا يقدم نفسه كذلك لانه لا يتجه بطبيعته نحو تحقيق التقدم وإن كانت حركته الى الأمام ، وتفسير سر ذلك ان الزمن تصنعه الجغرافيا فحين تدور الارض حول نفسها وحول الشمس تعطينا الزمن كتعاقب اوقات اما التاريخ يصنعه الانسان حين يتحرك بوعي وبعقل ايجابي على الجغرافيا .
الزمن لا يصنع المستقبل ولا يعنيه ذلك فالزمن غاية بذاته ناتج عن دوران الارض اما التاريخ مكلف بصناعة المستقبل لأن أحداثه هي المختبر الذي يصنع المستقبل كونها ناتجه عن حركة الانسان الايجابيه. والحركه الايجابيه هنا تعني النجاح في صنع الحدث التاريخي القادر على السفر بالمجتمع من الماضي السلبي الى الحاضر المتغير ، بل ويجعل شعوب الحاضر تعيش واقعاً عاشته أجيال الماضي في الاحلام.
فألشعوب التي تصنع التاريخ وتسافر في حركته هي الشعوب التي نجحت في تحويل الاحلام الورديه لمن كانوا في الماضي الى واقع ملموس تعيشه اجيال الحاضر اما الشعوب التي تسافر في رحلة عمرها في الزمن ولا تصنع الحدث التاريخي فأن اجيال الحاضر تعيش واقعاً عاشته اجيال الماضي يتوارثون جميعاً احلاماً لم تتحقق في الواقع،،
اليمنيين اليوم بكل تاكيد تائهون في رحلة عمرهم أضاعوا طريق المستقبل وفشلوا في تحقيق احلامهم احلام ثوار سبتمبر واكتوبر لم تحقق في الوقع وبعد اكثر من خمسين سنه خرج ثوار 11/ فبراير بنفس الاحلام السابقه ولا اضنها سوف تتحقق في المستقبل القريب!!
فالتجارب تقول عندما تتكلم البنادق يتوقف العقل عن العمل ،
اليمنيين اليوم وهم يسبحون في مستنقع الدم عليهم ان يفكروا في الطريق التي سلكوها في رحلة العمر عبر الاجيال المتعاقبه هل كانت رحلة عمر في اتون الزمن ام كانت رحلة عمر في صيرورة التاريخ؟
يعرف احد المؤرخين الألمان التاريخ بكونه (حاصل الممكنات التي تحققت)
فماذا تحقق اليوم من احلامنا ؟
ولماذا لم يتحقق بعد ؟
والاهم من ذلك هل رحلة عمر الانسان في اليمن عبر الاجيال المتعاقبه هي رحلة عمر بقصد الوصول الى وطن؟
وما هو الفرق بين الأوطان والبلدان ؟
وما هو المشروع الذي يحول الجغرافيا الى وطن والانسان الى مواطن والسلطه الى دوله؟
وما الفرق بين السلطه والدوله؟
وهل تبنى الاوطان والدول بمداميك من الاحجار والحديد ام تبنى بمشروع وطني مداميكه الانسان المدني بطبعه؟
هل قراءنا بوعي منهج التقدم الذي به سوف نتجاوز اختبار القبول في جامعة التاريخ ونحجز مقعدنا في قسم هندسة الأوطان؟
سوف نتقاتل كثيراً وربما سنوات عديده ولكننا لن نبني وطن ولن نحمي ارض ولن نسافر في صيرورة التاريخ وسوف نفشل في المستقبل كما فشلنا في الحاضر والماضي في صناعة الحدث التاريخي مالم نكن موأهلين وقادرين بعقل واعي على تقديم الإيجابات الجادة على تلكم الاسئله السابقه وبالشكل الذي يجعل من تلك الإيجابات واقعاً يعيش فيه المجتمع .