في ليلة 21 سبتمبر قبل أربع سنوات أحسست أنني شبح أسير في الظلمات، مجهول، لم أعش ولم أعرف احد، ولم أولد حتى.
شعرت كما لو أن العالم تنكر لي وأحتل منزلي وسألني من انت ولما أنت هنا ، هل تنتظر أحدهم؟
كما لو أن المدينة التى أعيش فيها لم تراني في شوارعها من قبل وأنا أحلم لها بمستقبل أجمل.
كنت أحس أنني أختنق وأن مايدخل رئتي ليس هواء صنعاء بل دخانها ، وأنها تحترق.
كان الضوء ساطعاً وقد تعمد محتلوا المدينة أن لاتتوقف الأنوار في الشوارع الخالية إلا منهم .
كان الجميع خلف الأبواب والجدران الخائفة.
لم يكن هناك من يسير في الطرق التى ألفنها غير بنادق الحوثيون وأحقادهم على كل شيء.
كانت قد أخبرتني أمي صباحا أن أعود إلى القرية.
قالت في مضمون ما قالت أنها خائفه وأن صنعاء راحت .
كيف راحت ونحن فيها ، كنت أدور الحديث في رأسي وأدور رأسي في المدينة وأتحسر على مادة صحفية قديمة كتبتها بعنوان صنعاء تحمي نفسها وهاهي تسلم نفسها ونحن فيها .
في زاوية أخرى كان موسى يبكي مستندا الى جدار، سيكتب النمراني ذلك بعد 3 سنوات من فقدانه لمدينته وسيخبرني ونحن نسير في شوارع مدينة أخرى أنه لم يجد غير أن يبكي كطفل.
كانت صنعاء تختفي من أمام أعيننا، تغرق بدون أمواج أو بحر أو ر مال، وكنا نحن أطفالها.
في تلك اللحظات، عفوا لم تكن لحظات لقد كانت دهرا من العذاب في ليلة واحدة، في ذلك الدهر شعرت انني فقدت كل شيء ، كل شيء ، وأنني أتسرب كقطرات عرق من وجه رجل ميت، هل يتعرق الموتى ؟ لا ادري، فبعد فقدان المدينة طرحت اسئلة كهذه ، لقد فقدت المنطق معها .
لم يعد أحد في المبني.
بعد السنوات الأربع تمزقنا وفقد المبني يمنيته، فقد تنوعه أبصر الجحيم وتهدم في مخيلتي، وإن كان مازال واقفاً في قلب صنعاء، فما قيمة المباني إن لم يسكنها الناس، ولقد كنا ناس صنعاء وأحبتها ، وكانت لنا الدار والبستان وحين فقدنها فقدنا أنفسنا، ولم نعد نحن نحن.