كل ما يجري من مفاوضات وتحاور ومناقشات لا تتعدى أن تكون محاولة لإقناع الناس للتعايش مع حالة الحرب، وإجبار الأطراف المتحاربة على إيقاع أقل الضرر بالمدنيين وتوفير الحد الأدنى من ظروف الحياة للمدنيين في ظل استمرار الحرب.
وبعيدا عن دور الإقليم ودور المجتمع الدولي فان السلام الدائم في اليمن لن يأت به إلا اليمنيون أنفسهم. وهنا يأتي السؤال، لماذا لا تعمل الأطراف اليمنية بجدية أكبر من اجل إحلال السلام الدائم؟
نعتقد أن من أهم الأسباب التي تحول دون العمل بجدية لتحقيق السلام في اليمن تتمثل في وجود قلق كبير لدى القوى التي تنتمي لطرفي الحرب من بعضها البعض حيال دورها فيما بعد الحرب، ويبدو لنا هذا القلق على استحياء في الطرف الانقلابي ولكنه واضح جدا في طرف السلطة الشرعية، وهذا القلق ينعكس على سلوكيات هذه الأطراف في ميادين الحرب وميادين التفاوض والسياسة.
فهناك قوى في طرفي الحرب تربط وجودها اليوم باستمرار الحرب كونها لا تمتلك واجهة سياسية تضمن لها تواجدها في سلطة ما بعد الحرب، وقوى ترى أن الآخرين ربما سيحملونها مسؤولية اندلاع الحرب وسيعملون على ابعادها من سلطة ما بعد الحرب، وقوى ترى أن هناك حالة من الاستعداء والتحريض ضدها وتتخوف أن يتم استهدافها فيما بعد الحرب وأن الآخرين سيعملون على تحجيم دورها في سلطة ما بعد الحرب إذا لم يكن منعها تماما من التواجد في تلك السلطة.
هناك قوى ترى أنها تتحرك في مشاريعها بحرية أكبر في فترة الحرب وأن السلام سيحمل معه مشاريع أكبر منها ولن تتمكن من مجاراة القوى الأخرى اذا ما توقفت الحرب، وهناك قوى ترى أنها ليست جزء من الحرب رغم مواقفها السياسية فيها وتتخوف أن تكون سلطة ما بعد الحرب قائمة على أساس استحقاقات الحرب والتي لم يكن لها دور مباشر فيها مما سيحجم دورها في سلطة ما بعد الحرب.
عندما تطغى حالة القلق من السلام لا يمكن ان تنتهي الحرب، لهذا أصبح من الواجب على كل القوى اليمنية اليوم والقوى السياسية بشكل خاص ان تتبنى مشروع علني يحمل في طياته التطمينات الكافية لكل المخاوف من شكل سلطة ما بعد الحرب في اليمن.
كل القوى السياسية تتحدث، بدرجة أو بأخرى، عن الشراكة الوطنية ولكنها رغم ذلك لم تتقدم بشرح واضح وتفصيلي لمفهوم الشراكة هذا.
اليوم أصبح من الضروري ان تبدأ القوى السياسية، باعتبارها تمثل الشارع اليمني وباعتبارها صاحبة المصلحة من استعادة وتفعيل العملية السياسية والأكثر تضررا من استمرار حالة الحرب، بتبني صياغة واضحة وعلنية لمفهوم الشراكة في السلطة والثروة والقرار السياسي والسيادي في يمن ما بعد الحرب، صياغة تشمل - إلى جانب مفهوم الشراكة - شروط الشراكة وتوصيف القوى التي يمكنها ان تكون شريكة في سلطة ما بعد الحرب، على ان لا يشمل ذلك الحد من طموحات كل القوى وألا يمس قناعاتها ويحجم تواجدها، وأن يكون كل ذلك وفقا للقوانين اليمنية وبما يتناسب ويتوافق ولا يتعارض مطلقا مع مخرجات الحوار الوطني ووثيقة الضمانات المرفقة مع مخرجات الحوار الوطني.
إن القوى السياسية وان لم تكن صاحبة دور كبير في حالة الحرب إلا أنها صاحبة الدور الرئيسي في رسم الخطوط العامة للسياسة في البلد بمجرد انتهاء الحرب، وهذا ما تدركه أيضا حتى القوى المتحاربة نفسها، وعدم تحملها لمسؤوليتها اليوم في مواجهة الحرب والحد منها ومنع تكرارها سينعكس سلبا عليهم أولا قبل أي طرف آخر.