يكشف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عشية لقاء جنيف الثاني حول اليمن، الأسباب الموجبة لتفاؤله. ويفصح في حوار مع "العربي الجديد"، عن وجود حظوظ كبيرة بوقف النار قبل 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي وبوجود فكرة إرسال مراقبين مدنيين
لمراقبته.
ــ يظهر التفاؤل في تصريحاتكم الأخيرة على الرغم من المواقف المتشددة من طرف جماعة الحوثيين إزاء حظوظ الحلّ السياسي ودوركم فيه. هل سيُعقد فعلاً مؤتمر جنيف في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أو يتم تأجيله كما في المرة السابقة؟
نعم نحن متفائلون هذه المرة بناءً على ما سمعناه من الأطراف اليمنية والأجنبية، والآن لدينا وفد من بعثتي انتقل إلى الرياض من مسقط، وتواصل مع الأطراف هناك، وأنا التقيت بجماعة حزب "المؤتمر الشعبي" وبوزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي في عمّان الأسبوع الماضي، وهناك تفاؤل كبير والجميع متفقون على الاتجاه إلى جولة جديدة من المشاورات. سبب التفاؤل أننا بعد الرسالة التي بعث بها الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، (التي أعرب فيها عن استعداد فريق الشرعية للعودة إلى المفاوضات) قلنا إننا لا نريد أن نكرر ما حصل في الجولة الماضية من جنيف عندما استعجلنا في تحديد تاريخ الاجتماع ولم يتم التحضير الجيد للقاء. تسرّعنا في حينها لأننا كنا نريد الإسراع في إيقاف الحرب، لكن عندما تتسرع لا تستطيع أن تحدد بشكل جيد توقعاتك ومَن يمثل مَن والحد الأدنى الذي يمكن أن نبلغه.
هذه المرة، قرّرنا أن ننجز في المرحلة التحضيرية للقاء جنيف التالي: النقاشات ستكون تحت عنوان تنفيذ القرار الدولي 2216 وهو ما حققنا إجماعاً حوله. الأمر الثاني جدول أعمال اللقاءات، والجميع أبلغونا أن الأهمية القصوى هي وقف إطلاق النار. لكن المؤكد أنّ الحكومة ترفض وقف إطلاق النار من دون الاتفاق على ضمانات وأجندة واضحة بالنسبة لانسحاب المليشيات وتسليم السلاح. اليوم الأولوية هي لإجراءات بناء الثقة، منها إطلاق سراح السجناء وإيصال المساعدات إلى مناطق منكوبة مثل تعز. لذلك نركز جهودنا التحضيريةعلى تحقيق خطوات بناء ثقة لأن الكارثة الكبرى تتمثل في انعدام الثقة بشكل كامل بين الطرفين. من بناء الثقة، علينا التأكد أيضاً ألا تحصل استفزازات للحدود السعودية التي تعتبر أن من حقها أن تدافع عن أراضيها. بناءً على ذلك، لدينا تفاؤل كبير هذه المرة وجميع الأطراف لا تزال ملتزمة في هذا المجال، حتى الحوثيون. نحن نعرف أنه من الصعب على أي طرف في المفاوضات تقديم كل التنازلات للطرف الآخر.
ــ هل زالت التحفظات المتبادلة من الطرفين؟
"سبب تأخر الجولة المقبلة من جنيف أننا قررنا تحضير كل الظروف المناسبة وتلافي أخطاء الجولة الماضية"
لا تزال التحفظات موجودة لدى الطرفين؛ في الرياض يكررون أن ليس لديهم ثقةبالتزام الحوثيين، الذين بدورهم يرون أن الحكومة الشرعية تريد المماطلة وشراء الوقت. وقد سرت شائعات تفيد بأن التأخّر في عقد لقاء جنيف هدفه سعي الحكومة لكسب المزيد من الوقت، لكن الحقيقة أن هذا غير صحيح، فالتأخر ليس له علاقة بالرياض، بل نحن كأمم متحدة قلنا إننا نريد أن نتأكد من تحضير الظروف وعدم تكرار تجربة لقاء جنيف الماضي. في حينها، أتى وفد الحوثيين بـ22 شخصاً مع أننا كنا متفقين على أن يتمثّل كل طرف بسبعة أشخاص، وهذه المرة اتفقنا على أن يكون هناك وفدان: الحكومة من جهة، والحوثيون وحزب (الرئيس المخلوع علي عبدالله) صالح من جهة ثانية. حتى نحصل على وقف إطلاق نار وموافقة واضحة بالنسبة للانسحاب من المدن، لا يمكننا أن نتوقع حلّ كل هذه المشاكل في اجتماع واحد، ويُرجح أن نحتاج لسلسلة لقاءات. القرار 2216 يشير إلى أهمية الحوار السياسي، والحكومة مستعدة لوقف إطلاق النار بشرط عدم تكرار انتهاكات الهدنة الماضية.
من البنود التي نطرحها اليوم كأمم متحدة، أن نأتي بمراقبين مدنيين لهم خبرة عسكرية مثلاً، وليس قوات حفظ سلام. من الممكن أن يغيّر مجلس الأمن رأيه بخصوص قوات حفظ السلام، لكن حتى الآن مجلس الأمن مصرّ على عدم إرسال قوات حفظ سلام في اليمن.
ــ لوجستياً، هل فكرة إرسال مراقبين مدنيين ممكنة التنفيذ نظراً لاتساع رقعة الاقتتال؟
"نطرح إحضار مراقبين مدنيين يكونون أساساً من يمنيين عسكريين لم يشاركوا في الحرب"
نعم ممكنة بشرط وجود اتفاق سياسي. التساؤلات حول إمكانية تنفيذ ذلك موجودة بالفعل في الرياض، لكن إحضار المراقبين بإشراف الأمم المتحدة ممكن مثلاً إن كان الفريق مكوّناً أساساً من يمنيين، أكان من جيش يمني لم يشارك في الحرب، أو من خبراء عسكريين يمنيين شاركوا في بعثات حفظ سلام في دول أفريقية عديدة يتم تأطيرهم وتطعيمهم من دول عربية إسلامية لنتفادى خطف الأجانب. لا شك أن المخاطرة كبيرة لذا لا بد من ضمانات وتعهدات سياسية من كل الأطراف.
ــ هل عرضتم فكرة المراقبين المدنيين على الأطراف اليمنية المعنية؟
نعم عرضناها على جميع الأطراف، ويبدو لي أن هناك تعاملاً إيجابياً مع الفكرة، وهي فكرة أيضاً يجب عرضها على مجلس الأمن الدولي.
ــ هل وافقت الحكومة اليمنية أن يشارك وفد من حزب صالح في المفاوضات بعد التغييرات التنظيمية الأخيرة الحاصلة في الحزب وتسمية بعض أطرافه عبدربه منصور هادي رئيساً للحزب؟
وافقت الحكومة طبعاً على حضور وفد حزب صالح، لأن الجميع يدرك أنه يستحيل تحقيق وقف إطلاق نار من دون وجود الحوثيين وجماعة صالح.
ــ ماذا سيكون مستقبل صالح في المرحلة التالية لوقف إطلاق النار؟
نحن لا نتكلم الآن إلا عن وقف إطلاق نار وبدء حوار سياسي، والباقي متروك للمرحلة التالية، ويقرر فيها اليمنيون قواعدها. السؤال مبكر جداً، وهناك نقاط يجب حسمها قبل الوصول إلى البحث بالمستقبل السياسي للأطراف. على سبيل المثال، يطرح الحوثيون اليوم تساؤلاً يحق لهم طرحه يفيد بأنه لا يمكن تسليم السلاح اليوم قبل أن تكون هناك حكومة واضحة، بحجة أنه ليس هناك اليوم حكومة لها سيطرة على الأرض.
ــ هل يعني ذلك أن جدول أعمال الجولة المقبلة لحوار جنيف يقتصر على إيجاد آليات تنفيذية للقرار 2216؟
نعم، هذا هو هدفنا الأول.
ــ لكن القرار 2216 أصبح عنواناً عريضاً فضفاضاً والمشاكل تكمن في تفاصيله؟
هذا صحيح بما أن القرار هو إطار عمل يبقى تحديد آلياته هو الأهم. هل يتوقع أحد مثلاً أن يقوم الحوثيون بتسليم سلاحهم والعودة إلى منازلهم بهذه البساطة؟ يجب أن تكون هناك ضمانات وحكومة يثق بها الجميع.
"إن كنا نريد حلاً، فعلينا إشراك الجميع في الحل السياسي"
ــ هل تقييمكم أنّ ما تبقّى من دولة يمنية ومؤسساتها قادر اليوم على تسلّم سلاح المليشيات من دون أن يصل إلى تنظيمات مسلّحة مثل تنظيم "القاعدة" وغيرها؟
إن كان هناك اتفاق سياسي شامل فهذا يمكن أن يحصل بالتأكيد. أي حل يحذف طرفاً ما، أكان هذا الطرف هو الحوثيين أم حزب صالح، فلن يكون له جدوى. إن كنا نريد حلاً، فعلينا إشراك الجميع في الحل السياسي.
ــ من ضمنهم روسيا وإيران؟
لنكن واضحين: لن يكون هناك أي مشاركة لأي طرف غير يمني في المشاورات على الطاولة. هذه الدول نتشاور معها، وللأمانة كانوا حتى الآن إيجابيين لناحية الحل السلمي. ما يشجعنا اليوم هو أن ما لمسناه في زياراتنا الأخيرة إلى الرياض وأبو ظبي والبحرين وقطر، أن هناك دعماً كبيراً من دول التحالف العربي لجهودنا من دون أي تحفُّظ. في الجولة الأولى من حوار جنيف، كنا نلمس عدم جدية. اليوم لم أسمع في الدول الداعمة للطرفين، أي موقف سوى دعم فكرة أنه لا حلّ عسكري للحرب ولا بد من العودة إلى الحوار السياسي. حتى الروس يقولون إنهم لن يعترفوا إلا بحكومة هادي. الأهم أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن داعمة لكل جهودنا وهذه حالة فريدة مقارنة مع موقف هذه الدول من حروب أخرى في العالم.
ــ هناك شعور لدى البعض بأن الحكومة الشرعية يتم الضغط عليها اليوم لوقف إطلاق النار؟
الضغط موجود على جميع الأطراف. كل الدول الداعمة للطرفين تضغط في سبيل حل سلمي.
ــ ما سبب هذا التحوّل برأيكم؟
أولاً نجاح الحكومة الشرعية وعودتها إلى عدن، ثم هناك اعتراف كامل بالقرار 2216، بينما في الجولة السابقة من جنيف، لم يكن هناك اعتراف بهذا القرار، ولو كنا حصلنا على النقاط السبع من الحوثيين ومن صالح في مسقط لكان تغيّر الكثير في اجتماعات جنيف الماضية. لكن هناك عنصراً مهماً جداً ساهم في التحوّل الإيجابي للموقف السياسي المستعد للتسوية، يتجسّد بالحرب في حد ذاتها. القضية الانسانية كارثية اليوم. 21 مليون يمني يحتاجون لمساعدات فورية، بينما قبل 3 سنوات كان اليمنيون الذين يحتاجون لمساعدات 7 ملايين، واليوم أصبحوا 21 مليوناً وزادوا 300 في المئة. 20 مليون يمني لا يجدون مياهاً للشرب، إضافة إلى الزيادة الهائلة للأمراض التي لم تكن موجودة في اليمن. اليوم اليمن هو ثاني دولة لجهة سوء التغذية لدى الأطفال. بدأت اليوم كل الأطراف تفهم أن الخاسر الكبير هو الشعب اليمني.
"العامل الأساسي في حل مشاكلنا هو بدء حوار سعودي إيراني"
ــ كيف سينعكس التقاطع السعودي-الإيراني في اليمن، إن حصل، برأيكم؟
أنا مصرّ على أن العامل الأساسي في حل مشاكلنا الحقيقية، هو بدء حوار سعودي إيراني انطلاقاً من الجيرة التاريخية، وما حصل في لقاء فيينا حول سورية الأسبوع الماضي خطوة مهمة في هذا السياق بما أنه كان هناك حوار مباشر بين السعودية وإيران.
ــ التقيتم بوزير الخارجية القطرية خالد العطية يوم الاثنين. ماذا يمكن أن تفعل قطر في إطار جهودكم؟
قطر داعمة لجهودنا منذ البداية بكل طاقتها، وهو ما كرره الوزير العطية. ما نطلبه اليوم إقناع الوفد الحكومي بأن يأتي إلى جنيف من دون شروط مسبقة على قاعدة أنه يستحيل أن يُنفَّذ القرار 2216 بطريقة ميكانيكية. تعالوا بنية حسنة ومسامحة وانفتاح.
ــ ماذا ستقدّمون كأمم متحدة من أفكار للمتحاورين في جنيف المقبل بالإضافة إلى طرح المراقبين المدنيين الدوليين لوقف إطلاق النار؟
نحن نتحفّظ على تحضير خطة لأننا لا نريد أن نفرض شيئاً على الأطراف. هذا سيكون جزءاً من المشاورات. لدينا أفكار خطط عامة لكننا نريد الاستماع إلى رأي الأطراف بما هو ممكن تطبيقه من عدمه. ما نريده نحن كأمم متحدة هو تطبيق القرار 2216 ببنوده العريضة، أي الانسحاب من المدن وتسليم السلاح إلى الحكومة وعودة الحكومة الشرعية إلى الأراضي اليمنية والعودة إلى العمل السياسي والحوار وإيصال المساعدات الإنسانية. أما الدخول في التفاصيل فهو جدول أعمال اجتماعات جنيف.
ــ توقعاتكم لهذه الجولة من الحوار هل هي أعلى مما كانت في المرة الماضية؟
نعم. على الأقل آمالنا هي أعلى لسبب بسيط، لأننا نرى اليوم جدية أكبر لدى الأطراف للوصول إلى حل سياسي، بسبب الآلام التي سبّبتها الحرب.
ــ هل يعني وقف إطلاق النار انسحاب القوات العربية المنتشرة على بعض الأراضي اليمنية اليوم؟
هذه من القضايا المطروحة على طاولة الحوار والتي نتركها إلى جنيف.
ــ هل هناك بوادر بأن يتم وقف إطلاق نار قبل 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي؟
سمعنا من الطرفين أن وقف إطلاق النار قبل الحوار سيكون خطوة مهمة لتسهيل الحوار كخطوة لبناء الثقة. سمعناها من الجميع.
ــ هل تتوقعون حصول وقف إطلاق النار قبل 15 الحالي؟
نعمل لحصول ذلك بجدية كبيرة بالإضافة إلى إطلاق السجناء.
ــ هل سيكون الحوار في جنيف مباشراً وجهاً لوجه بين الوفدين؟
هذا ما نتوقّعه. سمعنا من الطرفين أنهما مستعدان للحوار المباشر وجهاً لوجه.
لم أزر عدن لأسباب أمنية فقط
ــ لماذا لم تزوروا عدن عندما كانت حكومة خالد بحاح مقيمة فيها لأيام قبل أن تغادرها بعد الهجوم الذي تعرضت له؟
لأسباب أمنية بحتة. كنت أنوي زيارتها بالفعل، لكن نتائج دراستنا للوضع هناك أفادت باستحالة توفير الأمن اللازم للزيارة التي لم تكن ممكنة إلا في البحر برحلة تستغرق 16 ساعة.
ــ أمام هذا الواقع الأمني للعاصمة المؤقتة عدن، هل تثقون كأمم متحدة أن الحكومة الحالية، في الظروف الموضوعية الحالية، قادرة أن تستعيد عملها ومؤسساتها كحكومة شرعية فعلاً؟
القرار 2216 ينص على الاعتراف بالحكومة الشرعية وقد وافق الطرف الآخر (الحوثيون وجماعة صالح) على القرار. لكن صحيح أيضاً أن الإرهاب تطوّر في اليمن وهذا واقع، وما حصل ضد الحكومة في عدن دليل على ذلك.
ــ هل يمكن بالنسبة لكم أن تكون الأوضاع الأمنية واتساع رقعة تنظيمات كـ"القاعدة" و"داعش" نقطة انطلاق لإقناع طرفي النزاع اليوم، المليشيات والحكومة، بأن هذه التنظيمات تشكّل خطراً مشتركاً على الحوثيين وصالح والشرعية، وأن يكون ذلك كافياً لإيقاف الحرب من أجل مواجهتها؟
هذا صحيح لأن الخطر الحقيقي على الطرفين على المدى البعيد، هو هذه التنظيمات المتطرفة بالتحديد.
ــ ماذا بالنسبة لملف الحراك الجنوبي وملف الانفصال وارتباطه بالحرب الحالية؟
لا نريد أن تكون هذه القضية الشائكة مطروحة اليوم بشكل رئيسي، يجب أن تُطرح طبعاً لكن في مرحلة تالية، لأنها إن طُرحت اليوم بتشعباتها، فستزداد الأزمة تعقيداً. لكن حتى اليوم، لا يزال المجتمع الدولي متمسكاً بوحدة اليمن وسيادته.