بعد نحو عام كامل من الحديث عن تأسيس نواة لجيش وطني في اليمن، يبدو أن تبلور فكرة من هذا النوع، يحتاج إلى مزيد من الوقت، غير أن هذا لا يُغيّر شيئاً في مسار المعارك الدائرة على أكثر من جبهة، وفي محافظة تعز تحديداً، حيث طرح اللواء 35 مدرع نفسه مبكراً كنواة لجيش وطني، بعدما رسّخ صورته منذ بداية انقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح كحامٍ للشرعية.
وتعود قصة تشكيل جيش يمني جديد إلى وجود كتيبة عسكرية تابعة للواء 35 مدرع (لا يزيد عدد أفرادها عن 600 فرد بين ضباط وجنود)، ظلّت صامدة في مقر اللواء 35 مدرع، الواقع في أطراف مدينة تعز من الجهة الغربية، وذلك حين قررت هذه الكتيبة مطلع إبريل/نسيان من العام الماضي، أن تواجه انقلاب الحوثي والمخلوع صالح وترتيباتهم لاجتياح المدينة.
باتت تلك الكتيبة معسكراً كبيراً أُعيد بناؤه طوال فترة الحرب، وأصبح للواء 35 مدرع، دور كبير في تحرير أجزاء واسعة من تعز، كانت قد وقعت تحت سيطرة مليشيات الحوثيين وقوات المخلوع صالح. وحالياً تخوض قوات هذا اللواء، حرباً شرسة في مواجهة محاولات حثيثة لقوات الانقلاب التي تريد أن تستعيد فرض حصارها على تعز.
ويقول متابعون إنه "كما أدت تشكيلات عسكرية قررت الانحياز للشرعية في محافظات الجنوب، دوراً محورياً في تشكل مقاومة شعبية، ونجحت في صدّ مليشيات الحوثيين والمخلوع ودحرها من الجنوب، فقد شكّل انحياز اللواء 35 للشرعية في تعز، بداية لتشكل مقاومة شعبية نجحت حتى الآن في تحقيق انتصارات معتبرة.
ومع كسره للحصار عن تعز، يرى مراقبون أن اللواء هو الوحيد، الذي قرر قائده مواجهة زحف الحوثيين، بينما بقية الألوية العسكرية كانت تُغرّد في ذلك الحين خارج سرب الشرعية. ويعتقد هؤلاء بأن اللواء 35 مدرع، بات يشكل نواة حقيقية لإمكانية وجود جيش يمني بأبعاد وطنية، معولين على مساهمته الفاعلة في استكمال تحرير مدينة تعز في حال توفر الدعم الكافي والاهتمام من قبل الحكومة الشرعية.
كما تُطالب قطاعات شعبية واسعة، الحكومة الشرعية بدعم الجيش والإيفاء بوعود تحرير مدينة تعز، التي من شأنها إنهاء معاناة طويلة مع الحرب استمرت طوال عام كامل ولا تزال مستمرة. في هذا السياق، أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات تطالب الرئيس عبدربه منصور هادي، وحكومته بمزيد من الدعم للجيش الوطني واستكمال تحرير تعز.
كما خرج أخيراً العشرات في تظاهرة جابت شوارع مدينة تعز، وطالبت بإسناد الجيش، على اعتبار أن الدعم البسيط الذي يأتي إلى تعز بحسب هؤلاء، لا يأتي عبر الجيش واللواء 35، بل يأتي عبر قيادات شعبية.
في هذا السياق، يرى ناشطون، أن "دعم الجيش يختلف عن دعم فصائل المقاومة الشعبية". ويعتبرون أنه "من الممكن تفهّم الحذر عندما تدعم جماعات مسلحة، لكن ما لا يفهمه المواطنون في تعز، هو تجاهل لواء انحاز للشرعية من أول يوم رغم الإمكانات الشحيحة".
ويوضح مصدر عسكري، أن "مستحقات الألوية العسكرية التابعة للجيش الوطني في تعز، متوقفة منذ ثلاثة أشهر، وترفض المنطقة الرابعة وقيادة المحور صرف مستحقات اللواء 35 مدرع التي تشمل التغذية والذخيرة ورواتب الضباط والأفراد".
ويعبّر الناشطون أيضاً عن استيائهم من الحملات الإعلامية، التي قالوا إنها "تسعى إلى التشهير بقائد اللواء 35 مدرع، والتي تهدف إلى تصفية أول نواة حقيقية للجيش الوطني". ويحذّرون من أن "إضعاف الجيش قد يجعل تعز تواجه نفس مصير عدن، التي تواجه الانفلات الأمني، رغم مرور أشهر على تحريرها". كما لفتوا إلى أن "إضعاف الجيش سيصبّ حتماً في صالح قوى المسلحين، ليس فقط التي تقاتل الآن، ولكن تلك التي ستأتي في ربع الساعة الأخير، وتفرض نفسها استناداً إلى الوضع الذي يوفره عدم وجود جيش نظامي يحفظ الأمن ويمنع الفوضى".
من جهة أخرى، يطرح البعض فرضية تحوّل اليمنيين لمواجهة مع جيشهم المفترض الذي انحاز للمليشيا وقرر معها شن حرب واسعة ضدهم، لا تزال فصولها تتوالى منذ أكثر من عام. ويواجه محللون للشأن اليمني، صعوبة في فهم كيف قرر جيش ضخم شنّ حرب على شعبه، ومن الذي أصدر قراراً خطيراً كهذا، بينما يجمع محللون وخبراء، على أن اليمنيين باتوا يدركون أن الجيش اليمني لم يكن جيشاً وطنياً منذ البداية، وأن الحديث عن "جيش عائلي" لم يكن اعتباطياً. ومصطلح "جيش عائلي" كان قد تم البدء بتداوله مع ثورة 11 فبراير/شباط في العام 2011، وأصبح يشير إلى جيش ظل يتبع المخلوع صالح وأسرته حتى بعد خروجه من السلطة. كما انحاز العام الماضي للمليشيا، لاعتبارات طائفية وأخرى مناطقية، متعلقة بكون أغلب قيادات وضباط وأفراد هذا الجيش ينتمون إلى "الهضبة الشمالية"، التي هيمنت على الدولة مئات السنين.
ويرى هؤلاء المحللون، أن اليمنيين في مقابل هذه النتيجة القاسية يحاولون إنعاش آمالهم بوجود جيش وطني يحفظ سيادة البلد، وينحاز لخيارات الشعب، ويكون بمنأى عن الاستقطابات التي قد تحوله إلى جيش خاص بطرف أو بجهة معينة.
مثل هذه الاستقطابات كانت قد تحكمت ببنية الجيش اليمني وظلت توجهه طوال العقود الماضية، وهناك مخاوف من عودتها، تمكن ملاحظتها من وجود مساع عند بعض الأطراف تهدف إلى إضعاف نواة الجيش الوطني في مدينة تعز المتمثل باللواء 35، من خلال التقليل من دوره وعدم تجاوب الحكومة الشرعية مع الحاجة الماسة لمزيد من دعم هذا اللواء وتوفير رواتب أفراده وكل المتطلبات الأخرى، على الرغم من المعارك المستمرة.
ولا تزال معارك شرسة تدور في محيط مدينة تعز، جنوب غرب البلاد، وازدادت وتيرتها منذ نحو أسبوعين، بفعل محاولات مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، استعادة بعض المواقع الحساسة على ما يعرف بـ"خط الضباب"، بهدف محاصرة المدينة مجدداً.
ووفقاً لمراقبين، تشير تفاصيل هذه المعارك إلى أن اعتماد الحكومة الشرعية على نواة الجيش الوطني، لا يزال ضعيفاً، فاللواء 35 مدرع يواجه تعزيزات ضخمة من قوات ومليشيات الانقلاب في خط الضباب جنوب المدينة، وفي محيط مقره القريب من المطار القديم غرب مدينة تعز، لكن بإمكانات شحيحة، الأمر الذي يهدد بعودة الحصار بعدما كان قد تم كسره في 10 مارس/آذار الماضي.
في هذا السياق، يوضح مصدر عسكري، أن "المليشيات الانقلابية قامت خلال معارك الأيام الماضية بتفجير جسر بشارع الخمسين غرب المدينة، بهدف منع تقدم الجيش الوطني والمقاومة إلى المناطق المحيطة بمعسكر اللواء 35 مدرع، الواقع في أطراف الجهة الغربية من المدينة، بعدما حققت قوات الجيش تقدماً نسبياً في تلك المناطق".
ويراقب سكان مدينة تعز معارك الجبهة الغربية وحالة الكر والفر بين الجيش الوطني والمليشيات بقلق بالغ، خوفاً من تمركز المليشيات الانقلابية في المنفذ الجنوبي الغربي، ما يُعيد فرض الحصار، الذي جعلهم يواجهون كل صنوف المعاناة على مدى ستة أشهر. وتؤدي عوامل كثيرة، إلى جانب ضعف التسليح والاهتمام باللواء 35 مدرع التابع للجيش الوطني من قبل الشرعية، دوراً بارزاً في تأرجح عملية سير المعارك وعدم حسمها والتفرغ لاستكمال تحرير المدينة.
في السياق، تكشف مصادر عسكرية في اللواء 35، عن أن توزع قوات اللواء في أكثر من جبهة، قد جعل من مهمة حسم المعركة صعبة حتى الآن، لكنها ليست مستحيلة، إذ لطالما كان الهدف الأول، يتمثل في وضع حدّ لمعاناة شديدة الوطأة واجهها سكان المدينة طوال الأشهر الماضية. وتؤكد المصادر نفسها أن "عودة الحصار تبقى أمراً مستبعداً، وأن تجدد المعارك في خط الضباب سببه توزع قوات اللواء في أكثر من جبهة في المناطق، والأجزاء الجنوبية الغربية والشرقية من تعز".
وكانت قوات اللواء 35 مدرع، قد كثّفت من تواجدها، في أبريل/نيسان من العام الماضي، في مناطق الأجزاء الجنوبية من تعز، وخاضت معارك عدة مع مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، التي ركّزت منذ البداية على مديرية الوازعية الساحلية، الواقعة في الجنوب الغربي من محافظة تعز. وتتداخل جغرافياً مع الوازعية، مناطق مديريات الحجرية في جنوب تعز، والتي تُعدّ مركز عمليات إدارة المعارك في مختلف الجبهات، حيث يتواجد المقر المؤقت للواء 35 مدرع. وقد عمل قائد اللواء عدنان الحمادي، على تجميع ضباط وجنود من ألوية مختلفة وتدريب مجندين جدد، ليصبح اللواء 35 مدرع، بمثابة نواة حقيقية للجيش الوطني الموالي للشرعية.
أما فتح مليشيات الانقلاب جبهات الأطراف الجنوبية من تعز، في الوازعية والمسراخ، فقد كان بمثابة الخطوة الأولى من استراتيجيتهم للسيطرة على مدينة التربة والمناطق المحيطة بها جنوب تعز، من أكثر من اتجاه، وذلك بالتزامن مع تقدم المليشيات بنفس الاتجاه من جهة الراهدة، في مديرية حيفان جنوباً.
صدّت قوات من اللواء 35 مدرع مسنودة بالمقاومة الشعبية خلال الأيام الماضية هجمات عدة من قبل المليشيا"
وتحاول مليشيات الحوثيين وحلفاؤها من قوات المخلوع صالح، السيطرة في جبهة مديرية الوازعية، على مناطق تُشكّل بحسب خبراء عسكريين، أهمية استراتيجية. وتسعى المليشيات عبر تلك المناطق إلى تحقيق اختراق للسيطرة على الطوق الأمني المتمثل بمديريات الأرياف الجنوبية المرتبطة بمناطق مشتركة بين محافظة تعز، ومحافظة لحج جنوباً.
وتفيد مصادر عسكرية بأنّ "قوات من اللواء 35 مدرع مسنودة بالمقاومة الشعبية صدّت، خلال الأيام الماضية هجمات عدة من قبل المليشيات المتمركزة في مناطق الغيل والكديحة التابعة لمديرية الوازعية، غرب تعز، وتشكل امتداداً جغرافياً يصل المناطق الساحلية غرباً بالمناطق الواقعة في أقصى الأجزاء الجنوبية من محافظة تعز. وتعمل قوات الجيش في هذه المناطق على تعزيز مواقعها، لتأمين حدود محافظة لحج الجنوبية، ومنع أي تقدم للمليشيات تجاه تلك المناطق للوصول نحو مدينة عدن".
وتضيف المصادر أن "مقاتلات التحالف العربي المساندة للجيش الوطني، قصفت خلال أسبوع، أكثر من 17 هدفاً في مناطق جبل قناهو، والمتين، والغيل، والحبشية، وتمّ تدمير مجموعات من الطواقم العسكرية، فيما قتل 76 عنصراً من المليشيات".
في غضون ذلك، لا تزال قوات كبيرة من اللواء 35 مدرع، تخوض معارك في ثلاث مديريات من منطقة صبر، بعدما تمّ تحرير حوالي 90 في المئة من مجمل المساحة التي تواجد عليها الحوثيون عاماً كاملاً من الحرب. وتنوّه مصادر عسكرية متعددة، إلى أن معارك عنيفة وغير متكافئة بين قوات الشرعية و"المقاومة الشعبية" من جهة، وبين مليشيات وقوات المتمردين من جهة ثانية، تدور منذ أيام، تمكنت خلالها قوات اللواء 35 بمساندة "المقاومة"، من صدّ هجوم لمليشيات الحوثيين والمخلوع، على مناطق الأقروض التابعة لمديرية المسراخ جنوب تعز، وأسفر عن مقتل عدد من عناصر المليشيات.
كما تجددت المواجهات في جبهة مديرية حيفان، جنوب تعز، منذ أيام قليلة، بين قوات اللواء، مسنودة بـ"المقاومة"، وبين مليشيات الحوثيين والمخلوع. وتتصل حيفان جغرافياً مع محافظة لحج من الجهتين الجنوبية والشرقية، كما ترتبط من جهة الشمال بمدينة دمنة خدير (التي تُعدّ أهم معاقل المليشيات في مناطق الأجزاء الجنوبية من تعز)، فيما تجاور عدد من المديريات الاستراتيجية من الجهة الغربية والجنوبية من محافظة تعز، والتي يتخذ منها اللواء 35 مدرع، معسكرات تدريبية لقواته.
في هذا الصدد، يقول قائد قوات اللواء 35 مدرع في جبهة حيفان، جنوب تعز، العقيد الركن وليد الذبحاني إن "مواجهات عنيفة اندلعت منذ أسبوع في جبهة حيفان، المتصلة مع محافظة لحج الجنوبية"، مؤكداً أن "تعزيزات من قوات اللواء وصلت إلى حيفان، وتمكنت بمساندة المقاومة هناك من تحقيق انتصارات عسكرية بعد معارك عنيفة تركزت في منطقتي ظبي وجبل هتاري". ويكشف عن "مقتل 23 عنصراً من المليشيات خلال أسبوع، فيما قُتل 8 من عناصر الجيش الوطني في نفس المواجهات".