توفيت الثلاثينية اليمنية نبات قبيدي، مع طفلها محمد (ست سنوات)، في انفجار مدوٍ أحدثته أسطوانة الغاز في منزلهم الواقع في قرية "الأكمة بني قبيدي" وسط محافظة ريمة 130 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة صنعاء. "قضت الأم في الانفجار مع طفلها الذكر الوحيد الذي رزقت به بعد إنجاب أربع فتيات نجين من الموت بأعجوبة، بسبب بعد غرفة نومهم عن موقع الانفجار"، كما يقول الحاج محمد حسن أحد أقرباء الأسرة المنكوبة.
ورغم الجروح الطفيفة التي أحدثها انفجار أسطوانة الغاز على أجسادهن، إلا أن رحيل والدتهن وشقيقهن الوحيد، خلّف في قلوبهن جروحاً عميقة لم تندمل بعد مرور سنة على الحادث الذي وقع في 7 آذار/ مارس 2015.
ما حدث لهذه العائلة يمكن أن يتكرار في أي دقيقة، إذ تعج السوق المحلية في اليمن بأسطوانات غاز منزلي غير صالحة للاستخدام، إما لانتهاء عمرها الافتراضي، أو لسوء الاستخدام، أو لرداءة المنتج، كما يكشف التحقيق، في ظل عجز الشركة اليمنية للغاز "الجهة الحكومية المسؤولة عن صيانة واستبدال الأسطوانات"، عن التخلص منها.
وبحسب رئيس قسم صيانة أسطوانات الغاز في الشركة، المهندس عبدالعزيز شائف، فإن مشكلة الأسطوانات التالفة تتفاقم من عام إلى آخر. ويقدر عدد الأسطوانات غير الصالحة للاستخدام في السوق المحلية في العام 2016، بحسب توثيق الشركة، بنحو 12 مليون أسطوانة، نظراً لانتهاء عمرها الافتراضي المقدر بـ 15عاماً، وسوء الاستخدام ودخول أعداد جديدة من الأسطوانات مجهولة المصدر بسبب الفوضى السياسية في البلاد.
وتدعم نتائج الاستبيان الذي نفذه معد التحقيق في أمانة العاصمة ما قاله المهندس شائف، فمن ضمن 2000 مواطن شملهم الاستبيان حصل 1196 مواطناً على أسطوانات تالفة، 80 % منهم حصلوا على أسطوانات غير سليمة أكثر من ثلاث مرات خلال عام. وبحسب الاستبيان فإن 83% قالوا إن الخلل في المحبس أو بين المحبس والأسطوانة يؤدي لتسرب الغاز، غير أن أياً من المستطلعة آرآؤهم لم يفكروا إطلاقاً في الذهاب إلى قسم الشرطة، ليبلغ عن وجود أسطوانات تالفة في السوق بسبب عدم الثقة في الوصول إلى نتيجة.
مركز الحروق
لا يكاد يمر أسبوع إلا ويستقبل مركز الحروق الطبي بالمستشفى الجمهوري (المركز الوحيد بصنعاء)، مصابين جددا جراء حرائق سببها تسرب الغاز أو انفجار أسطواناته. ويقول رئيس المركز الدكتور صالح الحيضاني إن عدد المصابين بالحروق في العام 2014 بسبب الغاز المنزلي بلغ 181 حالة، فيما بلغ العام 2015 نحو 126 حالة.
ولا تشمل هذه الإحصاءات الحوادث المماثلة التي تحدث في محافظات ومدن أخرى، ويلجأ ضحاياها للعلاج في المستشفيات المحلية القريبة من موقع الحادث. كما أن وزارة الصحة لا تمتلك إحصاء دقيقاً بعدد الحالات المصابة بالحروق بسبب الغاز في عموم اليمن، نظراً لعدم اهتمام المشافي بتسجيل طبيعة الحالات المرضية الواصلة إليها. من بين هؤلاء فوزية سعيد الصناعي (16 عاماً) التي استعادت وعيها في المجمع الطبي العام بمدينة ذمار (100 كم جنوبي صنعاء)، بعد ثلاثة أيام من انفجار أسطوانه غاز في مطبخ المنزل. يقول شقيقها نبيل ذو الـ 27 عاماً، والذي يسكن معها في ذات المنزل: "إنها محظوظة لأنها على قيد الحياة، فالمطبخ المبني في فناء المنزل، اختفى تماماً إذ انهارت جدرانه الأربعة وسقط سقفه على الأرض".
يوضّح نبيل أن المطبخ كان محكم البناء والإغلاق، ونتيجة لتسرب الغاز تحوّل إلى قنبلة كبيرة انفجرت بمجرد فتح فوزية لباب المطبخ في صباح يوم الأحد 21 حزيران/ يونيو 2015. كانت فوزية تحمل شمعة عندما فتحت باب المطبخ، ما سبب الانفجار الذي قذف بها نحو 20 متراً تقريباً بحسب نبيل. ويذكر تقرير المستشفى أن فوزية أصيبت بكدمات وحروق من الدرجة الثانية والثالثة، واستغرق علاجها بالكامل نحو ثلاثة أشهر. فوزية تحولت من فتاة مرحة، إلى شخصية انطوائية تخشى التعامل مع الناس، وفق التقرير الطبي المذيل بتوقيع الأخصائي النفسي عبدالسلام السعيدي.
أربعة اشخاص من عائلة خالد هراش البدجي (38 عاماً) أصبحوا نزلاء مركز الحروق بعد أن خسرت العائلة ثلاثة من أطفالها في حادث حريق سببه تسرب للغاز، إذ توفي محمد (15 عاما) في غرفته، وتشبث عبدالله (9 أعوام) بالحياة حتى وصل فناء المستشفى الجمهوري، حيث فارق الحياة قبل أن يدخلها. أما غدير (12عاماً) فصارعت الموت ثمانية أيام في غرفة العناية المركزة في المستشفى الاستشاري قبل أن تلحق بشقيقيها إلى العالم الآخر.
يبدو خالد هراش والد الضحايا الثلاث متماسكاً، وهو يتحدث إلى "العربي الجديد" عن الساعات الأولى من صباح 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 "الصبح الدامي" يوم وقوع الحادث، لكن دمعة يتيمة في عينيه تخون صلابته. يستذكر كيف التهم حريق هائل منزله في حي القاع بصنعاء نتيجة تسرب الغاز، ما سبب وفاة ثلاثة من أبناءه، بينما أصيب هو ووالده وزوجته وابنه الرابع فارس (10سنوات) بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة.
استشاري الحروق في المركز التابع للمستشفى الجمهوري (الحكومي) الدكتور محمد الحجاجي والذي يشرف على علاجهم، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أسرة خالد هراش حالة ضمن حالات كثيرة، إذ يقول "الحريق بالغاز المنزلي عادة ما يطاول عدداً من أفراد الأسرة وأحياناً جميعهم"، كما حدث مع أسرة هراش.
وتشير إحصاءات الدفاع المدني إلى أن عدد البلاغات التي تلقاها عام 2014 عن وجود حريق بسبب الغاز المنزلي بلغت 82 بلاغاً في عموم محافظات الجمهورية. بيد أن هذه البلاغات وفق ذات الإحصاء لا يتلقاها الدفاع المدني، إلا حين يكون هناك طلب مساعدة لإطفاء حريق.
تقارير رسمية
طلبت رئاسة الجمهورية في مارس/ آذار عام 2009 بسحب أربعة ملايين أسطوانة تالفة من السوق المحلية، بعد أن رفعت الشركة اليمنية للغاز التابعة لوزارة النفط تقريراً اشتركت في إعداده مع وزارتي الصناعة والصحة والدفاع المدني يتحدث عن وجود سبعة ملايين و600 ألف أسطوانة غير صالحة للاستخدام من أصل 16 مليون أسطوانة يتداولها اليمنيون. ويقول التقرير إن ثلاثة ملايين و600 ألف أسطوانة ما زالت قابلة للصيانة، بينما يجب إتلاف أربعة ملايين. وتبلغ كلفة الصيانة الشاملة لأسطوانة الغاز قرابة الـ 13 دولاراً، أما الصيانة الجزئية فتقدر بنحو أربعة دولارات بالإضافة إلى قيمة المحبس وهي خمسة دولارات.
غير أن وزارة المالية رفضت تنفيذ الطلب في حينه، مبررة الأمر، في تقرير رفعته إلى رئاسة الجمهورية، بعجز ميزانية الدولة عن إنفاق 30 مليار ريال يمني (140 مليون دولار)، لتمويل خطة على مدى سبع سنوات كانت كفيلة بسحب الكمية واستبدالها بجديدة وصيانة الكمية القابلة للصيانة، "لأن ذلك فوق طاقتها". كما تذرعت بأن هذا الرقم مبالغ فيه.
وبدلاً عن ذلك اعتمدت وزارة المالية ميزانية سنوية خاصة بالصيانة والإتلاف بلغت 444 مليون ريال في عام 2015 تعادل نحو (2 مليون دولار أميركي)، بينما بلغ إجمالي ما صرفته الشركة اليمنية للغاز في الصيانة والإهلاك، بحسب تقريرها المالي لذات للعام، 800 مليون ريال أي ما يوازي ضعف الميزانية المعتمدة من المالية.
تبعات قانونية
بحسب المادة 304 من القانون المدني اليمني فإنه يحق للمواطن رفع قضية ضد أي جهة حكومية أو غير حكومية أو شخص باعتبارها "المسؤول عن الأشياء"، أي المسؤولة عن الضرر الذي وقع، كما يقول القاضي، فارس النواري، من المعهد العالي للقضاء، لـ"العربي الجديد".
ويضيف النواري "تنطبق هذه المادة على المؤسسات مثلما تنطبق على الأشخاص" مضيفاً "الجهة المسؤولة تعتبر شخصاً معنوياً". غير أن المحامي عبدالقدوس المطري، يقلل من فرص حصول أي مواطن على تعويض في حال قرر رفع دعوى قضائية ضد شركة الغاز؛ وهي الجهة المسؤولة عن مراقبة وضبط السوق على حكم لأن "ثقافة رفع قضية ضد مؤسسة حكومية غير موجودة عند المواطن". ولذلك يقول المطري: "قد يخسر المواطن مئات الآلاف من الريالات، دون أن يصل إلى نتيجة"، في بلد يقدر متوسط دخل الفرد بـ150 دولاراً قبل الحرب".
الغريب أن 30% من العينة التي استطلعها التحقيق وتبلغ ألفي مواطن، استخدموا الأسطوانات التالفة التي حصلوا عليها، رغم اكتشافهم للخلل من خلال التسريب الذي يحدث عند تركيب الأسطوانة عند فحصها بالطريقة البدائية من خلال وضع رغوة الصابون. بينما أعاد 60% منهم الأسطوانات إلى التاجر، واضطر 10% إلى تفريغ محتواها في الهواء، ورغم ارتفاع نسبة التالف، إلا أن 30% فقط فحصوا الأسطوانات قبل شرائها عن طريق غمر المحبس برغوة الصابون.
عينات تالفة
أجرى معد التحقيق فحوصا، في مختبر الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، على عينة عشوائية مكونة من ثلاث أسطوانات متداولة في السوق، أثبت الفحص عدم مطابقة أسطوانتين لاشتراطات ومتطلبات المواصفات والمقاييس اليمنية، بسبب مخالفة الفحص الظاهري، لاحتوائها على كدمات وحفر في جسم الأسطوانة ووجود زيادة في وزنها فارغة "في واحدة من العينات". بالإضافة إلى عدم وجود بلد المنشأ وتاريخ الصنع والعلامة التجارية واسم الشركة المصنعة.
وأكدت الفحوصات أن المخالفات في العينة الثانية تتركز في زيادة قطر الطوق الواقي ونقص في وزن الأسطوانة فارغة، وهو ما يجعل الأسطوانة غير مرنة ما يعني أنها قد تتعرض للانفجار في حال تعرضت لصدمات، بحسب اشتراطات المواصفات والمقاييس، بينما كانت المخالفة في العينة الثالثة عدم وضوح رقم متسلسل الإنتاج وتاريخ الصنع وقد اعتبرها التقرير المخبري في حدود متطلبات المواصفات المعتمدة في الاختبارات. وتعتبر مخالفة لكن الهيئة تتجاوز عنها لمرة واحدة وتحذر المستورد من تكرارها. وسبق وأن أصدرت الهيئة تحذيرات في حق ثلاثة تجار لتجاوز شروط المواصفات والمقاييس وبحسب مصدر في الهيئة، فقد التزم التجار الثلاثة بعد ذلك بالشروط.
وبحسب وثيقة حصل عليها معد التحقيق من إدارة ضبط الجودة في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، فإن أهم المخالفات التي غالباً ما تكتشفها فِرق الفحص في الخصائص الفنية، تكمن في ارتفاع مقاومة الشد لجسم الأسطوانة، وموضع اللحام وزيادة قطر الطوق الواقي ما يجعلها عرضة للانفجار.
وبالمقابل فإن الانخفاض في وزن الأسطوانة فارغة، والانخفاض في النسبة المئوية للاستطالة وسمك الأسطوانة وسمك الطوق الواقي للمحبس واختلاف القطر الخارجي للطوق الواقي أيضا تعد بحسب وثيقة صادرة عن إدارة ضبط الجودة في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس في فبراير/ شباط 2015، مخالفات خطيرة تجعل أسطوانة الغاز عرضة للانفجار في أي لحظة.
عجز في الصيانة
بحسب العقد الموقع عام 1996 بين شركة النفط "الجهة التي كانت مسؤولة عن الغاز قبل إنشاء شركة الغاز عام 2000" والمصنع اليمني لأسطوانات الغاز (خاص) المملوك لرجل الأعمال علي المفزر وهو المصنع الوحيد في اليمن، والذي يمنحه حق صيانة وإتلاف أسطوانات الغاز بناء على طلب شركة الغاز، فقد استقبل المصنع خلال الخمس السنوات الماضية أعداداً متفاوتة كان أعلاها عام 2014 وبواقع 217450 أسطوانة تم إتلاف 99128 أسطوانة فقط، بينما خضعت الكمية الأخرى للصيانة الشاملة والجزئية.
ويقتصر دور المصنع اليمني لأسطوانات الغاز بحسب العقد على صيانة وإتلاف ما يتم توريده إلى مستودعات المصنع من قبل الشركة اليمنية للغاز. ويمثل الشركة اليمنية للغاز في المصنع طاقم مكون من خمسة مهندسين متخصصين في الصيانة، هم من يقرر ما هي الأسطوانات التي تحتاج إلى صيانة، وتلك التي يجب إتلافها.
وتكشف الجداول الصادرة عن الشركة اليمنية للغاز، ارتفاعا مستمرا لنسب التالف من الكمية المرحلة للصيانة والتي بلغت 33% العام 2010 و45 % العام 2014. وتلزم الاتفاقية الموقعة بين الشركة اليمنية للغاز والمصنع اليمني لأسطوانات الغاز الأخير على "كبس" إتلاف الأسطوانات غير القابلة للصيانة مجاناً مقابل أن تشتري الشركة البديل لهذه الأسطوانات من المصنع. وبحسب إحصاءات الشركة، فإن متوسط إنتاج المصنع يتراوح بين 120 إلى 115 ألف أسطوانة سنوياً، وقد بلغ إنتاجه في العام الماضي 115 ألف أسطوانة.
الصيانة أنواع
تعتمد الشركة اليمنية للغاز نوعين من الفحص، الأول بالمشاهدة وعند وجود خلل ظاهري، يقول المهندس أحمد الحداد مدير الدائرة الفنية بالشركة "هناك صيانة جزئية تقتصر على تغيير المحبس وأخرى شاملة تخضع لها كل أجزاء الأسطوانة".
وتدخل الأسطوانة دائرة الصيانة الشاملة عندما تعاني من خلل في الخصائص الفنية، التي يحددها المهندس عبدالرقيب النجار مدير إدارة الصيانة في الشركة بـ"ظهور الكدمات أو الصدأ القابل للمعالجة، والحفر أو خلل في الشفرات الحامية للمحبس، وهو ما يوجب خضوعها لصيانة شاملة".
الرطوبة
وتعد الرطوبة أحد أهم الأسباب لتلف أسطوانات الغاز في المناطق الساحلية، مثل الحديدة وعدن وحضرموت وغيرها، والتي بات لها أسنان فتاكة، وتعتبر العدو الأول للحديد وفي الطليعة أسطوانات الغاز، ما لم يكن هناك صيانة مستمرة، بحسب المهندس أحمد الحداد.
ويؤكد الحداد أنه سرعان ما يظهر الصدأ على جسم الأسطوانة مختصراً عمرها الافتراضي المقدر بـ "15 عاماً" إلى نحو 10 سنوات، وربما أقل بحسب كثافة الرطوبة التي تختلف من منطقة إلى أخرى، بالإضافة إلى انتهاء فترة صلاحية الكثير من الأسطوانات المتداولة، البعض منها دخلت الخدمة في الثمانينيات، والبعض لا تحمل تاريخ إنتاج في مخالفة للتعليمات.
مجهولة المصدر
يقر مصدر في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس بأن السوق اليمنية مليئة بالأسطوانات مجهولة بلد المنشأ، ومجهولة الشركة المصنعة، ولا تحمل أي علامة تجارية ذات دلالة على منشأها. معد التحقيق حصل على تقارير صادرة عن الهيئة خاصة بصفقات دخلت اليمن بطرق رسمية وبتصريح من الهيئة ذاتها في 29 مايو/ أيار2006، رغم أنها مجهولة المنشأ والشركة المصنعة، ولا تحمل أي علامة تجارية.
مصدر في إدارة ضبط الجودة في الهيئة طلب عدم ذكر اسمه، أكد أنهم يسمحون بدخول الصفقة في حال كانت مطابقة للمواصفات الفنية، حتى لو لم تحمل معلومات بلد المنشأ والشركة المصنعة والعلامة التجارية لمرة واحدة مع إنذار التاجر المورد بعدم تكرارها، وفي حال تكرار الخطأ تمنع الشحنة من الدخول.
ويوضح ذات المصدر أن الهيئة منعت صفقة تبلغ 10000 أسطوانة عام 2014، ولأنها بحسب تقرير الهيئة مخالفة لبعض المواصفات الفنية مثل وزن الأسطوانة فارغة، حيث تشترط المواصفات اليمنية أن يكون وزن الأسطوانة فارغة بين 5.14 و15 كغم، بالإضافة إلى نقص في سمك الأسطوانة الذي تشترط الواصفات اليمنية ألا يقل عن ثلاثة ملم.
وبالرغم من أن المواصفات والمقاييس اليمنية، التي تضاهي باشتراطاتها المواصفات والمقاييس في عدد من الدول العربية والأوروبية المتقدمة، تشترط أن تحمل كل أسطوانة اسم الصانع والعلامة التجارية وبلد المنشأ وشهر وسنة الإنتاج والرقم التسلسلي للأسطوانة، غير أن تقارير حصل عليها معد التحقيق من شركة الغاز أثبتت أن 15 نوعا من الأسطوانات المتداولة في السوق لا تحمل اسم الشركة المصنعة وبعضها لا تحمل أيضا علامة تجارية.
وتؤكد ذات التقارير أن معظم هذه المنتجات صينية الصنع. ويستورد اليمن الأسطوانات بشكل أساسي من السعودية والصين وتركيا، ويشير تقرير صادر من الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس إلى أن هناك سبعة تجار يقومون باستيراد الأسطوانات من هذه الدول بطرق رسمية، وبشكل نظامي ولا تملك الهيئة أي إحصاءات للكميات المستوردة.
ويستطيع أي تاجر استيراد أي سلعة دون الحصول على ترخيص من أي جهة حكومية باستثناء الأدوية، وما يحدث مع أسطوانات الغاز لا يختلف عما يحدث مع أي سلعة أخرى، إذ يشتري المستورد وثيقة المواصفات والمقاييس الخاصة بالأسطوانات من الهيئة اليمنية للمواصفات ومن ثم يجلب شحنة الأسطوانات من أي بلد إلى المنفذ البحري أو البري وعندها يقوم بتقديم عينة الفحص إلى الهيئة. يتم الفحص فإذا كانت العينة مطابقة للمواصفات والمقاييس اليمنية يسمح بدخولها، وإذا كانت مخالفة يتم منعها.
تلف بفعل فاعل
إلى جانب الرطوبة وتدني مستوى الجودة، يساهم سوء الاستخدام من قبل الأهالي ووكالات البيع في تلف كميات كبيرة من الأسطوانات، بسبب دحرجتها على الأرض عند نقلها فارغة إلى معارض البيع لاستبدالها بأخرى مليئة بالغاز، ليتم دحرجتها أيضا إلى المنزل، بينما يقوم العاملون في معارض البيع برمي الأسطوانات بعنف وعشوائية من شاحنات النقل إلى الأرض عند بوابات المعارض، كما يقول وكيل ووزارة التجارة والصناعة عبدالاله شيبان، والذي يعد سوء استخدام المواطنين أهم أسباب التلف. ويقول إن دحرجة الأسطوانات يؤدي إلى حدوث حفر وتغير في وزن الأسطوانة نتيجة الاحتكاك.
"يفاقم الحال"، بحسب المهندس أحمد الحداد "لجوء البعض لاستخدام مطرقة أو سيخ حديد لفتح المحبس عن طريق ضربه بقوة حين تكون محكمة الإغلاق، ومع تكرار هذه العملية تظهر الشقوق والتلف في المحابس". ويرجع 70% ممن شملهم الاستبيان أسباب التلف إلى سوء الاستخدام.
إعادة التالف
وفي استبيان آخر وزعه معد التحقيق على 30 محلاً في أمانة العاصمة لتبديل أسطوانات الغاز، ثبت أن نسبة الأسطوانات غير الصالحة للاستخدام بسبب حدوث انبعاجات أو ضربات حادة في هيكل الأسطوانة، أو فقدان جزء من دهان الأسطوانة مما يجعل جسمها عرضة للصدأ، ومنها ما يكون على شكل ضربات على الصمام، تتراوح بين 35 -40 % من الكمية التي يمتلكها التاجر عند كل تعبئة. ويضطر ملّاك محلات تبديل الأسطوانات إلى إعادة الأسطوانات غير الصالحة إلى المحطات الرئيسة. إذ يقول علي صالح الرعيني مالك معرض التوفيق لاستبدال الأسطوانات والذي يمتلك ستين أسطوانة، "في كل تعبئة هناك مابين 25 إلى 30 أسطوانة غير سليمة".
في محاولة لحل المشكلة، قدمت وزارة الصناعة مقترحاً عام 2010 برفع النسبة المخصصة للصيانة من خمسة ريالات عن كل تعبئة إلى 200 ريال، لكن "جهات حكومية بحسب وكيل الوزارة (لم يسمها)، رفضت المقترح بحجة أنها قد تذهب لصالح أطراف معينة".
غير أن وزارة المالية في المحصلة لم تعتمد سوى 14 ريالاً فقط، وهو ما يعد في نظر المهندس الحداد "غير كاف أبدا لمعالجة وضع الأسطوانات التالفة". وبرفض هذا المقترح كإجراء يمكن أن يساعد على الحد من مخاطر الغاز، تستمر الحرائق في البيوت اليمنية مخلفة مئات الضحايا في كل عام.
*تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"