للأمم المتحدة قصة سوداء مع التغيير السلمي في اليمن، صحيح أن المنظمة الدولية وفرت مظلة كبيرة لعملية الانتقال السياسي لكنها سرعان ما باشرت في إنجاز عملية موازية تماماً، انحسر معها الظل الأممي ليجد اليمنيون أنفسهم مكشوفين يواجهون مؤامرة خطيرة جداً على ثورتهم ودولتهم.
ما أن بدأ الحوثيون وصالح التحرك من صعدة مرورا بحاشد ثم عمران وانتهاء بصنعاء حتى باشر المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر في تدشين حوار موازي في موفنبيك، الفندق الذي كان قد استضاف مؤتمر حوار وطني شامل استمر عاماً كاملاً.
الحوار الذي ابتكره ولد الشيخ بإملاءات أمريكية وبوصاية من الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، كان في ظاهره تحت مظلة الرئيس لكنه كان يقوض السلطة من تحت أقدام هذا الرئيس..
واللافت بشأن هذا الحوار أنه كلما زادت سطوة تحالف: صالح الحوثي الانقلابي في ميدان الموجهات العسكرية، كلما ازدادت أجندة حوار موفنبيك صفاقة.
دخل الحوثيون صنعاء وحاصروا الرئيس وقتلوا أقاربه، وفي هذه اللحظات كان بنعمر يطرح فكرة إعادة هندسة مؤسسة الرئاسة ليدخل إليها الانقلابيون بكامل عتادهم الحربية.
لم يكتف الانقلابيون بذلك بل ذهبوا ليفرضوا على الرئيس نائباً له، وكان يراد من إجراء كهذا إنهاء دور الرئيس بإرادته وبإمضائه. كان بنعمر على علم بكل هذه التفاصيل، وكان قد صاغ ما يسمى " اتفاق السلم والشراكة" سيء الصيت، ورعى التوقيع عليه، بعد أن استكمل الحوثيون سيطرتهم الصورية على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، والذي كان يعني تمكين الحوثيين من كل مفاصل الدولة، ولهذا كان التفاوض على تقاسم السلطة بل ومحاولة الهيمنة عليها أمراً اعتيادياً ومقبولا من جانب بنعمر وسفراء الدول العشر وبالأخص السفير الأمريكي.
ما فشل فيه صالح الصماد عندما ذهب إلى منزل الرئيس محاولاً إجباره على تعيين نائب له من الحوثيين، يحاول ولد الشيخ بعد هذه الحرب العاصفة، أن يحقق الهدف نفسه، وهو إجبار الرئيس على تعيين نائب وتفويضه صلاحية الرئيس له.
يا لها من مهزلة! لا يجب أن يتفاوض الرئيس مع المبعوث الأممي على موقع الرئاسة سواء تعلق الأمر بصلاحيات الرئيس أو بمنصب النائب، يجب أن يبقى هذا الأمر خطاً أحمر.
ما يجب التركيز عليه في هذه المرحلة هو تسوية الأرضية السياسية التي تسمح لكل الأطراف السياسية بالتفاوض تحت رعاية الرئيس حول قضايا الانتقال إلى مرحلة الدولة تأسيساً على المرجعيات الثلاث، وبالأخص عبر التنفيذ الكامل وغير المشروط لقرار مجلس الأمن رقم 2216.
الانقلابيون انقلبوا على هذه المرجعيات لأنها تحرمهم من البقاء في السلطة باعتبارهم مجرمين، وما يفعله ولد الشيخ اليوم هو إعادة تنصيب هؤلاء المجرمين حكاماً.
سكت الرئيس عن حوار موفنبيك الذي كان ينعقد تحت رعايته، ولا أدري ما هي الصفقة التي كان يرتب لها، رغم توفر كل المؤشرات على الخطر الداهم عليه وعلى الدولة.
لا يمكن أن ندع كل شيء خلف ظهورنا لكن أيضاً علينا أن نستفيد من الماض لكي نتجاوز أخطاءه ولا نقع في الفخ نفسه مرة أخرى.