وكان رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، عيدروس الزبيدي، قد زار المهرة أخيراً ضمن جولة شملت مدناً جنوبية بهدف حشد التأييد للمجلس وتنصيب قيادات موالية له في تلك المدن.
وتحرّكُ الزبيدي مشمول بدعم إماراتي سخي، مع إجراءات أمنية مواكبة عاملة على مسح المناطق قبل الزيارة، برفقة عشرات المركبات المحملة بأنصاره الرافعين أعلام دولة اليمن أعلام الجنوب ومجموعات من الحراسات التابعة له.
كما رافقه في هذه الزيارات مندوب إماراتي قال بعض الأهالي في مدينة الغَيْضة، مركز محافظة المهرة إنه "يسهّل على الزبيدي بعض الصعوبات، حينما تلقى تحركاته رفضاً". كما رافقه إعلاميون من وسائل إعلام تابعة له وأخرى إماراتية تغطي تحركاته دوناً عن بقية وسائل الإعلام.
وبدأ الزبيدي جولته شرقاً من محافظة شبوة، التي دشن فيها "الجمعية الوطنية" و"المجلس الانتقالي"، قبل الانتقال إلى حضرموت، فنظّم المجلس مهرجاناً في مدينة المكلا، مركز المحافظة، حضره محافظها السابق أحمد سعيد بن بريك، وأكد خلاله على أن "الدولة التي يسعون لإقامتها جنوبي اليمن، تعتمد النظام الفيدرالي بما يتيح لأبناء حضرموت إدارة شؤونهم".
وقبل وصوله إلى مدينة الغيضة توقّف في مدينة سيحوت، التابعة لمحافظة المهرة. وعشية وصول الزبيدي إلى الغيضة، تداولت مواقع إخبارية أنباء عن أن أعيان المهرة وقادة السلطة المحلية فيها اشترطوا عليه جملة من الشروط للسماح له بإقامة الفعالية، ومنها تجنّب الهجوم على الحكومة الشرعية والرئيس عبدربه منصور هادي في خطابه، وكذلك الاكتفاء بـ15 سيارة مرافقة له لا غير.
وبدا القلق واضحاً لدى العديد من سكان الغيضة قبل وصول الزبيدي إليها، خوفاً من أن تؤدي الفعاليات المقررة إقامتها إلى زعزعة أمن المدينة التي تعتبر نموذجاً في الابتعاد عن تداعيات الصراع السياسي بكافة ألوانه، ونموذجاً في العلاقة الطيبة بين السكان والعمال والجنود والموظفين المقيمين فيها والمتحدرين من مختلف محافظات البلاد.
وقد نأت مدينة الغيضة وباقي مدن محافظة المهرة بنفسها عن أتون الصراعات السياسية، في ظل تعايش علم اليمن وعلم دولة الجنوب وعلم السلطنة المهرية التي كانت تمثل المهرة قبيل الاستقلال عن بريطانيا في 1967، فوق المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها ديوان عام المحافظة بمبناها الحديث والأنيق.
"
ورأى بعض الأهالي، أن "مثل هذا المهرجان ما كان له أن يتم في محافظة بعيدة عن زخم دعوات الانفصال والصراع السياسي، مثل المهرة، لو لم تخسر المحافظة اثنين من وجهائها عُرِفا بحرصهما على استقرار المحافظة وبمنع أية مظاهر انفصالية فيها، هما المحافظ الأسبق علي محمد خودم، الذي تنسب له العديد من المنجزات في المحافظة، ورجل أعمال من آل الزُبيدي وكلاهما وافاهما الأجل".
المظهر الثاني من مظاهر القلق الذي سبق مهرجان الزبيدي يتمثل في أنه ومجلسه الانتقالي مدعومان من الإمارات، عكس ارتباط محافظة المهرة بعلاقات طيبة مع سلطنة عمان التي تسدّ العديد من احتياجاتها.
ومن المعروف أن علاقة مسقط وأبو ظبي ليست على ما يرام بل إن هناك نوعاً من التزاحم في النفوذ بينهما في هذه المحافظة الواقعة أقصى شرق البلاد، ولا يخفي البعض خشيته من أن نفوذ الإمارات شرق اليمن يثير قلق عُمان.
ولعل الشخص الوحيد الذي تنتصب له صورة كبيرة في المهرة ليس الرئيس عبدربه منصور هادي ولا غيره، بل السلطان قابوس بن سعيد، الذي تنتصب صورته على لوحة إعلانية كبيرة على بعد أمتار من نقطة تفتيش أمنية في مدخل الغيضة الشمالي الشرقي، المتفرع منه طريقان إحداهما إلى منطقة حوْف الخضراء والأخرى إلى منفذ شحن الحدودي الذي يدرّ لخزينة المحافظة إيرادات كبيرة وصار يتحكم به أخيراً المحافظ الحالي محمد عبدالله كدة.
وقبل سنوات وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء (آذار/مارس 2013 ــ يناير/كانون الثاني 2014)، عاد الشيخ عبدالله بن عفرار، أحد أبناء سلطان المهرة (كانت سلطنة إلى منتصف القرن الماضي)، وأقام بعد عودته فعاليات عدة بهدف رفض مخرجات الحوار التي تقضي بوضع المهرة وسقطرى مع محافظتي حضرموت وشبوة في إقليم واحد يسمى إقليم حضرموت، ضمن ستة أقاليم. وكان مطلب تلك الفعاليات أن يتم الإبقاء على التقسيم الإداري الحالي (محافظات لا أقاليم) أو إدراج المهرة وسقطرى كإقليم مستقل عن حضرموت. وقد كان لافتاً للمتابعين حضور بن عفرار في مهرجان الزبيدي الذي اختلطت فيه أعلام دولة الجنوب بأعلام السلطنة المهرية.
وعلى الرغم من كون بن عفرار أحد أعضاء المجلس الانتقالي، إلا أن حضوره فعالية المجلس بالمهرة لم يكن أمراً متوقعاً من قبل بعض الأهالي، لكون مشروعه يختلف عن مشروع "استعادة الدولة" الذي يطالب به الزبيدي.
غير أن حضور بن عفرار لم يلغِ التباين في المشروعين، تحديداً من خلال كلمة بن عفرار في مهرجان يوم السبت الماضي، في حي الجاحي، بمدينة الغيضة.
أما الجانب الثاني فهو تشديده على أن "المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى قد حدد برؤيته خيار أبناء المحافظتين الرامي إلى الحفاظ على خصوصيتهما وكيانهما التاريخي (أرضاً وإنساناً وثقافة ولغة) واستقلالهما في إطار الخارطة السياسية وإقامة إقليمهم المستقل على حدود 1967 والرفض القاطع لمشاريع الضم والإلحاق والتبعية".
أما الجانب الثالث فمتمثل في إعلانه رفض مجيء أي قوات من خارج المحافظة، فقال "يمكننا القول بصراحة إن محافظة المهرة وأبناءها الغيورين، ليسوا بحاجة إلى أي نجدة من أحد تحت مسمى الحزام الأمني خارج إطار قيادة الأمن والسلطة المحلية بالمحافظة تحت أي مبرر كان يسوقه أي طرف من الأطراف، فالمهرة آمنة ومستقرة بأهلها بشهادة القاصي والداني"، في إشارة إلى قوات الحزام الأمني التي يديرها هاني بن بريك (نائب الزبيدي في الانتقالي)، والمدعومة من الإمارات.
من جانبه، حاول عيدروس الزبيدي في كلمته استمالة المهريين، حينما وعد بأن المهرة وسقطرى ستكونان إقليماً جنوبياً مستقلاً، وأنهما "لن تكونا إلا مالكتين لكل حقوقهما من خلال اعتمادهما إقليماً بشراكة كاملة في إطار دولة الجنوب الفيدرالية المدنية المنشودة".
بدورها، تكتفي الحكومة الشرعية بنشر أخبار معارضة لأنشطة "المجلس الانتقالي"، على غرار تناول وكالة الأنباء الحكومية خبراً بالقبض على أشخاص من مرافقي الزبيدي، حاولوا التقطع لقوات الأمن أثناء نقل سجناء حاول المرافقون تهريبهم، علماً بأن العلاقة بين الزبيدي والرئيس هادي ظلت متوترة منذ أن أقاله من منصبه كمحافظ لمحافظة عدن في إبريل/نيسان الماضي
العربي الجديد اللندنية