يشهد اليمن حرباً متصاعدة ضد الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، منذ أكثر من عام ونصف العام، تقودها السعودية، ضمن تحالف عربي، لمساندة الحكومة الشرعية، وإن كان هذا ما يظهر في الواجهة، فإن حرباً جانبية تشن بالتوازي على تنظيم القاعدة، تبدو أشد إيلاما رغم تواريها عن الأضواء.
خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري، تعرض تنظيم القاعدة في اليمن، لضربات موجعة من قبل طائرات أمريكية بدون طيار، "الدرونز"، سقط خلالها عدد من عناصر التنظيم الخطرة في أكثر من محافظة يمنية.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية، مساء الأربعاء الماضي، إن الجيش الأمريكي، هاجم هدفين في اليمن خلال الأسبوع الماضي وقتل أربعة عناصر بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يعد اليمن مقرا رئيسيا له.
وذكرت القيادة، في بيان لها، أن عنصرين من القاعدة قتلا في هجوم بمحافظة مأرب، شرقي صنعاء، يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري، وقتل العنصران الآخران، في هجوم بمحافظة البيضاء يوم 22 من الشهر ذاته.
ولم يكن هذا هو الإعلان الوحيد للقيادة الأمريكية عن الضربات، التي تعرضت لها القاعدة، حيث وصلت إلى ذروتها خلال هذا الشهر، ففي السادس من سبتمبر، أعلنت القيادة الأمريكية الوسطى، قتل 13 عنصراً من تنظيم القاعدة في 3 غارات.
ورأت القيادة الأمريكية، حينذاك، أن الغارات" تشكل ضغطا مستمراً على التنظيم، الذي لا يزال يشكل خطراً كبيراً على المنطقة وعلى الولايات المتحدة في الداخل و الخارج.
ويرى مراقبون، أن الضربات الجوية الأمريكية على التنظيم وصلت إلى ذروتها، وأن مقتل 17 عنصراً من التنظيم في شهر واحد، يؤكد أن الضغط عليه كبير لإضعافه في اليمن، وخصوصا في الشهر الذي يوافق هجمات 11 سبتمبر الدامية التي شنها التنظيم في الولايات المتحدة وأسفرت عن مقتل نحو 3 آلاف أمريكي.
وتتضارب المصادر المحلية غالباً حول دقة الأرقام، التي تُلحقها الضربات بعناصر التنظيم، لكن البيانات الأمريكية التي لا تظهر على الفور، غالبا ما تكون أقرب إلى الصواب.
وعادة لا تلجأ واشنطن إلى ذكر أسماء القتلى، في بياناتها، باستثناء الزعماء الكبار للتنظيم الذين تم قتلهم في العام الماضي، وعلى رأسهم زعيم تنظيم "القاعدة في اليمن وجزيرة العرب"، ناصر الوحيشي، فيما تنشر وسائل إعلام محلية أسماء قتلى التنظيم في معظم الغارات، لكن مراقبين يعتقدون أنها مجرد ألقاب تنظيمية وليست الأسماء الحقيقية.
وتركزت الضربات الأخيرة، على ثلاث محافظات بعينها، وهي"شبوة"، و"مأرب" ( شرق)، و"البيضاء"( وسط)، ويعتقد خبراء في شؤون التنظيم، أن حصر التنظيم في محافظات ثلاث جعل من عناصره صيداً سهلاً لمقاتلات "الدرونز".
ويرى الصحفي المتخصص في شؤون القاعدة باليمن، "عبدالرزاق الجمل"، أن سهولة وصول صواريخ "هيل فاير" الذكية إلى أهدافها والتطور التكنولوجي، قد يكون من الأسباب التي جعلت"قاعدة اليمن" صيداً سهلاً للطائرات الأمريكية دون طيار، رغم أن وضع تنظيم "داعش" لا يدعم هذا التحليل، حيث فشلت أمريكا في قتل أي من قياداته في اليمن حتى الآن.
وتوقع "الجمل"، في حديث للأناضول، أن يكون ضعف الجهاز الأمني لفرع قاعدة اليمن وراء سهولة تصفية قادته وعناصره بغارات الطائرات بدون طيار.
وقال "يضاف إلى ذلك أن أعضاء التنظيم اختلطوا بمسلحي المقاومة ( الموالية للحكومة)، حين شاركوا في القتال ضد الحوثيين، وهم هدف لأمريكا وللسعودية على حد سواء، ومن الطبيعي أن تمثل هذه المشاركة فرصة للدولتين لتعقب عناصر التنظيم، ولهذا قتل معظم عناصر القاعدة، أخيرا، في محافظتي مأرب وشبوة".
وذكر الصحفي "الجمل"، أن عدد أعضاء القاعدة تضاعف، وكثير من عناصرها يتحركون خارج احتياطاتها الأمنية، الضعيفة أصلاً، وأنه على خلاف تنظيم الدولة ( داعش) يرحب تنظيم القاعدة بكل من ينضم إليه، وهو ما سهَّل اختراقه".
وأشار "الجمل"، إلى أن ذلك، يؤكده إصدارات القاعدة الخاصة بالجواسيس، فأكثر المجندين زُرعوا في وسط التنظيم كأعضاء.
وشنت القوات الحكومية، في أغسطس/آب الماضي ومطلع سبتمبر/أيلول الجاري، معركة لتحرير محافظة أبين، جنوبي اليمن، من تنظيم القاعدة، الذي ظل مسيطراً عليها منذ دحر الحوثيين منها في يوليو/ أغسطس من العام الماضي.
وعلى الرغم من إعلان القوات الحكومية السيطرة الكاملة، ودحر التنظيم، إلا أن الصحفي "الجمل" يعتقد أن تنظيم القاعدة لا يزال مسيطراً ولكن ليس في الظاهر.
وفي محافظة "شبوة"، شرقي البلاد، قال أحد السكان المحليين، للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه حفاظاً على أمنه، إن مقاتلي التنظيم يتواجدون بكثافة في مدينة عتق، عاصمة المحافظة، وأن القاعدة لا تزال تستقطب العشرات من الشباب المراهقين إلى صفوفها.
وقال إن الضربات الأخيرة خلال الشهرين الجاري والماضي، جعلت التنظيم يحد من تحركاته، بعد دقة الضربات التي استهدفت بعض عناصره في "عتق" وهم يتناولون الطعام تحت الأشجار، وليسوا في سيارتهم، كما جرت العادة دائماً عند استهدافهم .
وحاول تنظيم القاعدة، محاكاة التجربة الحوثية في السيطرة على المدن بعد انهيار الدولة مطلع العام الماضي، حيث سيطر على مدينة "المكلا"، عاصمة محافظة "حضرموت"، شرقي البلاد، وكذلك أجزاء من محافظتي "شبوة وأبين"، جنوب شرقي البلاد، لكنه تعرض لضربات موجعة جراء ظهوره للعلن والسيطرة على المدن، ما جعله يفقد قادة بارزين.
وبعد أشهر من مقتل زعيم التنظيم " ناصر الوحيشي" بغارة أمريكية في حضرموت، منتصف العام 2015، كان التنظيم يخسر مطلع فبراير/شباط الماضي، أبرز قياداته الشابه، "جلال بلعيدي" .
وقتل "جلال بلعيدي"، والذي كان قيادياً في الجناح العسكري للتنظيم، بعملية لطائرة امريكية بدون طيار في محافظة أبين، جنوبي البلاد، بصحبة عناصر آخرين، وذلك بعد قيام التنظيم بالتغلغل والسيطرة على مديريات مختلفة تم تحريرها من الحوثيين في محافظتي "أبين وشبوة" .