وجاءت تسمية "المفلح" من "الفلاح" إحدى التسميات التي يُطلقها السكان على وجبة السحور.
ومدينة شبام أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" على قائمة التراث الإنساني الدولي عام 1982.
مراسل الأناضول، رافق في إحدى ليالي رمضان، "المُفلّح"، رياض جمعان خراز (40 عاما)، الذي يمارس موروث "المسحراتي" بمدينة شبام التاريخية التي يحيط بها سور ارتفاعه من أربعة إلى تسعة أمتار.
يقول رياض، للأناضول، إن عائلته، تتوارث هذا الإرث الرمضاني بمدينة شبام القديمة (اشتهرت في القرن الرابع الميلادي) أبًا عن جد، منذ أربعة قرون.
في تمام الساعة الواحدة من كل ليلة في رمضان، يبدأ "رياض" مهمته من أمام القصر، وينطلق عبر خط سير محدد كان يمشي عليه أجداده أثناء القيام بمهمة "المسحراتي".
ويميز خط السير الذي يمشي عليه "المفلح"، أنه يغطي كل الأحياء داخل المدينة المتراصة والمتلاصقة منازلها البالغ عددها أكثر من 465 منزلًا ومبنى.
ويحمل "مفلح" شبام آلة تسمى "الهاجر" (آلة إيقاعية) يؤدي من خلالها أصواتا إيقاعية، وينشد أبياتًا شعرية تختلف كل عشرة أيام برمضان.
أبيات لكل عشرة أيام
وعلى إيقاعات "الهاجر" يردد "خراز" في العشر الأولى من شهر رمضان "رحبوا رحبوا برمضان يا صائمين، رحبوا برمضان شهر رب العالمين، رحبت مكة وأهلها بالزائرين".
أما في العشر الوسطى، فينشد "المفلّح"، "نسيم الصباحي من عشية وبكره نسنسي (الرياح الخفيفة اللطيفة التي تهب مطلع الفجر) وغبشي (الاستيقاظ المبكر والذهاب للعمل)، يا سليمان عاد الله يرد العوائد، عادها تنجلي عنا الهموم والشدائد، بالمسرة تقع أيام سرنا يا سعد، بالرجال لي زانت في صفوف المساجد".
وفي العشر الأواخر من رمضان، يردد أبيات التوديع لشهر رمضان "ودعوا شهر رمضان يا صائمين، شهر رب العالمين، عاده الله علينا وعليكم أجمعين، ودعت مكة وأهلها بالزائرين، محمد شفيعي هو خير الشافعين".
ورغم وجود أدوات التنبيه الحديثة المتطورة، يعتمد سكان مدينة شبام، كما يقول "رياض" في استيقاظهم للسحور على عادة "المفلح".
وأشار إلى أن عائلته تمارس هذا الإرث دون أي تشجيع أو مقابل من الجهات الرسمية، مضيفًا: "هذا عمل طوعي لوجه الله".
ولفت إلى أن ثمة عوامل أخرى ساعدت العائلة على الاستمرار في هذا المورث، تتمثل في حب العائلة لهذا العمل، ولكي تحافظ على تاريخ وتراث مدينة شبام.
وأثناء مرور "المفلح" في الأزقة والممرات بين المنازل، يحرص الأطفال على مرافقته وترديد الأهازيج والأبيات الشعرية.
ويتوقف "المفلح" عن إيقاعاته وترديد أبياته عند المرور أمام المساجد، البالغ عددها سبعة في المدينة، وعقب تجاوزها يعاود مواصلا دق "الهاجر" والتغني بالأبيات.
وعند وصوله إلى ساحات المدينة الأربع الرئيسية، يتوقف "المفلح" فيها دقائق معدودة على إيقاعات "الهاجر"، مرددًا أبياته حتى يصل صوته إلى المنازل المجاورة للساحة.
ووجه خراز رسالة إلى الجهات الرسمية بضرورة الحفاظ على هذه العادات والتقاليد لما تمثله من قيمة في مدينة شبام، التي أدرجتها "يونسكو" في 2015 كإحدى المدن المدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي المعرّضة للخطر.
ويلقى "المفلح" في شبام ترحيبًا واحترامًا من الأهالي، والمارة في الأزقة والشوارع العامة بالمدينة القديمة التي يقطنها أكثر من 3 آلاف نسمة.
وفي ليلة الثامن والعشرين من رمضان، تقام بالمدينة فعالية تسمى "الوريقة"، ويتخللها فقرات فنية تراثية، ويقدم بعض الأهالي بشكل طوعي هدايا مادية ونقدية للمسحراتي؛ تقديرًا لدوره في إيقاظ الأهالي للسحور.
وعلى منوال المدينة القديمة، تحرص القرى في ضواحي شبام على ممارسة إرث "المفلح"، فهناك سبعة "مفلحون" من أسر أخرى في تلك المناطق.
وتضم منازل شبام التي ينعتها البعض بـ"العالية"، وبـ"شيكاغو أو مانهاتن الصحراء" خمسة إلى ثمانية طوابق ولها بوابة وحيدة رئيسية للدخول.
في السياق، قال الصحفي، علوي بن سميط (أحد سكان شبام القديمة) للأناضول، إن "المفلح" في شبام يعود تاريخه إلى أربعة قرون وربما أكثر، وتمارس هذه العادة أسرة آل خراز التي تتوارثها أبًا عن جد.
وأضاف أن "المسحراتي" يُعرف في شبام، بـ"المُفلّح"، واستمرار هذا الإرث يؤكد ارتباط المدينة بالعادات الإسلامية العربية القديمة.
وأوضح أن شبام مدينة قديمة ظلت محتفظة بإرثها الشعبي والروحي، والسكان يعتمدون على "المُفلّح" للاستيقاظ لتناول وجبة "الفلاح"، رغم وجود آلات التنبيه العصرية.
وطالب بن سميط الجهات الرسمية بدعم أسرة آل خراز في جهودها وحفاظها على الإرث، لافتًا إلى أن أحد معايير بقاء المدينة ضمن قائمة التراث العالمي، حفظها وممارستها للعادات والتقاليد.