يتابع الاطباء اليمنيون بقلق كبير ازدياد عدد التشوهات التي تصيب الأجنة، حيث انتشرت مثل تلك الظواهر في العديد من المدن والقرى اليمنية. فهل يعود السبب في ذلك إلى الحرب ومخفات الاسلحة التي تؤثر على الحوامل أم أن هناك أسباب أخرى؟
"حلمت بطفل منذ سبع سنوات من زواجي، وعندما من الله علي به أخبرني الأطباء أن الجنين الذي أحمله مشوهاً وسيولد ميتاً ومن الأفضل العمل على إجهاضه، حينها لم أتمالك نفسي من البكاء".
بهذه العبارات الحزينة تحدثت السيدة سمية لموقع DW عربية. وأضافت: "أخبرتني الطبيبة التي أشرفت علي في المستشفى أنها لم تتمكن من معرفة أسباب التشوهات التي يحملها الجنين, ولا توجد لدي أعراض فيروسية أو مرضية واضحة قد تكون السبب في تشوه الجنين، ولكن من المحتمل أن يكون السبب هو تعرضي لاستنشاق غازات شديدة الخطورة".
وقصة السيدة سمية وقصص سيدات أخريات دفعتنا للبحث عن حقيقة هذه الظاهرة المفزعة، فماهي أسباب تزايد مثل هذه الحالات؟ هل يمكن أن تكون الحرب وأسلحتها خلف التدهور الصحي وظواهره؟
قمنا بزيارة مستشفى السبعين المتخصص في أمراض الأطفال والنساء وهو أكبر المستشفيات في اليمن ويستقبل مئات الحالات المرضية يوميا من مختلف المحافظات اليمنية.
المشرفة الرئيسية على قسم طوارئ النساء، الدكتورة جميلة، أكدت في حديثها لموقع DW عربية أن حالات الولادات المبكرة والتشوهات الجنينية ووفيات الأجنة تزايدت في الأشهر الأربعة الأخيرة بقدركبير، حيث تصل بحدود حالة إلى حالتين في اليوم الواحد، في الوقت الذي كان من النادر حدوث مثل هذه الحالات سابقا.
وتحمل كثير من الأجنة المولودة حديثا صفات تشوه نادرة كعدم وجود رأس للجنين أو التصاق الرجلين أو الأذرع وفقاً لما تقوله الدكتورة جميلة.
وفي السياق نفسه تقول الدكتورة وفاء المعمري أحد كبار الأطباء الاستشاريين في أمراض النساء والولادة بمستشفى الرحمة الخاص الواقع شمال صنعاء في حديث لموقع DW عربية: "إن حالات تشوهات الأجنة والولادات المبكرة تزايدت بشكل غير معقول"، موضحة، أنها "تشرف على عشرات العمليات الجراحية شهرياً لسيدات يحملن أجنة ميتة أو مشوهة ويتم اخضاعهن لعمليات قيصرية لإنقاذ الجنين، ولكن العديد من الأجنة تتوفى فور ولادتها لأسباب لا نستطيع معرفتها".
كما اتصل موقع DW عربية بعدد من الأطباء في المستشفيات المنتشرة في المحافظات اليمنية فأكدوا تنامي مثل هذه الظواهر خلال فترة الحرب. وصرح أحمد عصفور مدير مشفى النقطة الرابعة في محافظة تعز إن التشوهات الخلقية للأجنة تزايدت بشكل مطرد في المحافظة، ولا يستطيع الأطباء معرفة أسبابها.
في استقصاء ما إذا كان للحرب ومخلفات الأسلحة علاقة بمثل هذه الظواهر الصحية التي نتجت في ظل الحرب تقول الاستشارية في مجال الصحة الإنجابية وفاء المعمري: "إن التشوهات الجنينية ووفيات الأجنة قد تحدث لأسباب عدة وقد تكون نتيجة مرض يصيب الأم أو فيروس يصيب الجنين أو نتيجة سوء التغذية، ولكن الغريب في الأمر هو وجود تزايد في ظواهر التشوهات الجنينية ولا يستطيع الأطباء توضيح أسبابها، مما يشير الى احتمالية ارتباطها بالحرب ومخلفات الأسلحة المستخدمة خصوصاً وأن العديد من النساء اللائي يحملن أجنة مشوهة يقطنن في مناطق القصف مثل صعدة وصنعاء وتعز والحديدة.
وتتابع الخبيرة قائلة " لا نستطيع الجزم بأن هذه الحالات ناتجة عن أسلحة استخدمت في الحرب، ولإثبات الحقيقة العلمية لمثل هذه الظواهر يتوجب إخضاع الأجنة لتحاليل طبية عالية الدقة من خلال أجهزة باهظة التكاليف، لكن ليس للمؤسسات الصحية اليمنية مثل هذه الإمكانيات، كما تستخلص المتحدثة.
من جهة أخرى يعتبر الأستاذ والباحث في الفيزياء النووية بجامعة تعز الدكتور أحمد الحيدري في حديث لموقع DWعربية أنه " لا مجال للشك في أن مخلفات الأسلحة المستخدمة في الحرب اليمنية، سواء كانت شديدة الخطورة كالأسلحة المحرمة دوليا أو متوسطة الخطورة كالأسلحة التقليدية، لها تأثيرها على البيئة والإنسان: فالأغبرة والرذاذ السام والغازات الحارقة التي تنطلق من القنابل المنفجرة الحارقة والتدميرية أو التي لم تنفجر، تشكل خطراً على المدى القصير والطويل على الإنسان"
وطالب الباحث أحمد الحيدري بضرورة إجراء تحقيق دولي حول الأسلحة المستخدمة في الحرب اليمنية لكشف الجرائم المرتكبة في حق المدنيين ومحاكمة المتورطين.
الدكتور ناصر العرجلي وكيل وزارة الصحة اليمنية لقطاع الطب العلاجي والطوارئ وهي الجهة المسؤولة عن تلقي البلاغات بشأن مثل هذه الظواهر الصحية من مختلف المرافق الصحية في اليمن فيقول: "هناك تزايد كبير في نسب تشوهات الأجنة ووفيات الأجنة المولودة حديثاً مشيراً إلى أن السبب في ذلك يعود إلى الحرب وآثارها، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة بما في ذلك انهيار الخدمات الصحية وعجز الحكومة اليمنية عن مكافحة الأمراض الفيروسية والأمراض المزمنة ناهيك عن النقص الحاد في الأدوية والضغوطات النفسية وحالات القلق والخوف التي يتعرض لها اليمنيين ، يضاف إلى ذلك وجود أسباب مباشرة تتمثل في تأثير مخلفات الأسلحة على صحة الانسان والبيئة المحيطة كتزايد انتشار الأمراض السرطانية والفيروسية وتأثير ذلك على الأجنة أيضا بشكل عام".
كما صرح المتحدث باسم منظمة اليونيسف محمد الأسعدي في حديث لموقع DWعربية، أن حوالي 10000 طفل توفوا عام 2015 لإصابتهم بأمراض كان يمكن الوقاية منها والسبب هو تأثير الحرب على القطاع الصحي، محذراً من استمرار الوضع الصحي في اليمن كما هو حالياً, ومحذرا أيضا من خطورة انهيار النظام الصحي بالكامل.