لم تكن ثورة 11 فبراير لحظة طارئة ولا موجة عابرة في حياة اليمنيين، إذ سبقتها إرهاصات ضرورية لتفجر الثورة.
كان هناك ثالوث يضرب اليمن من أقصاه إلى أقصاه، حيث نشاط تنظيم القاعدة، وعملياته التي تجاوزت الحدود المحلية، فحادثة الطرود المشبوهة القادمة من اليمن إلى أمريكا، وكذلك المحاولة الفاشلة للنيجيري عمر فاروق تفجير طائرة فوق مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد عام 2009، أثارت فرع واشنطن، التي وضعت خططا من بينها التدخل المباشر في اليمن.
والشاهد ان عمليات التنظيم لم تتوقف داخل اليمن في استهداف مصالح غربية وضابط أمنيين في العديد من المحافظات. وخلال العام 2010، أعلن تنظيم القاعدة تنفيذ نحو 49 عملية خلال 5 أشهر.
كما ان الحراك الجنوبي والذي بدأ سلميا خلال العام 2007م، تحول إلى احتجاجات عنيفة ومصادمات مستمرة مع قوى الأمن في المحافظات الجنوبية، وسقط على إثر ذلك العديد من القتلى ما أجج حمى الصراع والاحتجاجات التي أخذت منحا أكثر خطورة ومناطقية ضد أبناء المحافظات الشمالية.
وتصاعدت وتيرة عمليات الاغتيال لضباط الأمن السياسي في المحافظات الجنوبية بشكل دوري. أما حروب صعدة الست، فقد أثبتت الأحداث مدى عبثيتها وحجم استهتارها بدم بعض الجنود اليمنيين الذين اعتبرهم نظام صالح غير موالين لنظام العائلة وغير منسجمين مع فكرة توريث الحكم لنجله الأكبر.
ستة حروب كلفت خزينة الدولة الكثير واستبيحت فيها الدماء اليمنية بنزوات الحاكم الفرد. ولم تتوقف الحرب التي كانت تبدأ وتنتهي بإتصال هاتفي من صالح بناء على اتفاق شامل يعيد للدولة هيبتها وللجندي اليمني كرامته، بل أضحت محافظة صعدة خاضعة لسيطرة المليشيا مع تواجد شكلي لقوى الجيش والأمن في المدينة.
مؤتمرات إقيمية ودولية عقدت على مدى السنوات الأخيرة قبل العام 2011م، لمحاولة انقاذ اليمن من الانهيار الوشيك، ومنها مؤتمرين عقدا في العاصمة البريطانية لندن بحضور دولي مكثف وتركيز كبير على المخاطر القادمة من اليمن.
كان العالم الغربي يؤكد على أهمية دعم وتفادي الانهيار، لكنه واجه مشكلة أكبر، إذ أثيرت تساؤلات حول مصير الدعم الذي لم يجد طريقه إلى التنمية، وعوضا عن ذلك ذهب إلى جيوب الفاسدين، وتحول نظام صالح إلى مايشبه ثقب الأوزون، ملتهما كل أنواع الدعم، ومهددا بالمزيد من المخاطر.
اتهمت دوائر غربية حينها مسؤولين يمنيين باستغلال المساعدات الأمريكية، وصرخت الصحافة الخليجية بأن 2ر1مليار$ كمساعدة سنوية لليمن مجمدة بسبب الضعف الاداري، كما احتجت منظمات دولية على بناء مدينة صالح الطبية لأن اليمن تحتاج إلى مستوصفات ورعاية أولية.
وانسدت الحياة السياسية بعد اقدام النظام على خطوات انفرادية، مهددا بتصفير العداد الرئاسي والمضي نحو الانتخابات بشكل منفرد، ما أدى إلى تحرك قوى المعارضة التي شكلت جبهة انقاذ، واعلنت عن حركة احتجاجات سلمية شملت معظم المحافظات اليمنية. وردد الآلاف في شوارع المدن والمحافظات شعارات ضد الفساد والاستبداد.
وصف كثير من السياسين التعديلات الدستورية التي كان يخطط لها الرئيس المخلوع بأنها انقلاب على الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، معتبرين ان دستور 48 أفضل منها. وهدد القيادي في حزب الإصلاح، محمد قحطان، قائلا في تصريحات صحفية ان نزول المعارضة إلى الشارع سيكون نزولا شعبيا منظما ومدروسا "لكي نشهد الله ونشهد الناس على سوء هذه السلطة المتحكمة".
وقد زارت هيلاري كلينتون صنعاء في 10 يناير من العام 2011م، كأول وزير خارجية أمريكي يزور اليمن منذ العام 1990م بهدف البحث عن مخرج آمن للأزمة السياسية التي سببها نظام صالح. وحاولت كلينتون القيام بدور وساطة بين السلطة والمعارضة، وطرحت ضرورة اجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وبعد محاولات غربية لكبح جموح نظام صالح، تأكد لمسؤول ألماني بأن هناك قطارين كل يسير في مواجهة الأخر، واصفا حالة الانسداد السياسي بين السلطة والمعارضة.
جاءت الثورة التونسية كمؤشر لخريف الأنظمة الديكتاتورية بالعالم العربي، لكن نظام صالح واجه تبعاتها كعادته بالمراوغة ابتداء بمحاولاته المتكررة لشق صف اللقاء المشترك، ولاحقا بتنازلات شكلية مثل تعهداته أمام النواب والشورى بعدم التمديد للرئاسة او توريث الحكم، والاعلان عن تجميد التعديلات الدستورية حتى يتم النقاش حولها مع المعارضة.
غير ان القطار كان قد فاته، وهتافات شباب الثورة ملأت ساحات المدن والمحافظات مطالبة برحيله من السلطة التي غادرها في الأخير مكرها ومتربصا بتطورات الأحداث والمؤامرات ضد ثورات الربيع العربي.