حقق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية تقدماً لافتاً في جبهة "نهم"، شرقي محافظة صنعاء، بعد مرور نحو عشرة أشهر على بدء الحرب الأهلية في البلاد بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جانب، والميليشيات الانقلابية التابعة للمخلوع علي صالح والحوثيين من جانب آخر، وسط استمرار الغارات الجوية لطائرات التحالف العربي بقيادة السعودية ضد أهداف عسكرية تابعة للانقلابيين.
الحرب التي بدأت قبل نحو عشرة أشهر وكانت تدور رحاها وسط مدينة عدن، أصبحت اليوم على بعد 30 كيلو متراً من أمانة العاصمة، في وقت يتحفنا الإعلام التابع للانقلابيين بمزيد من الأكاذيب المعهودة منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" على غرار أن جيشهم ولجانهم الشعبية وقوتهم الصاروخية تتوغل في المزيد من الأراضي السعودية، وتسيطر بشكل يومي على عشرات المواقع السعودية، مؤكدين على صمودهم في حربهم مع أمريكا وإسرائيل، والدواعش والمرتزقة.
- تقدم بطيء
صحيح أن القوات الموالية للشرعية تحقق تقدماً بطيئاً في مختلف الجبهات بسرعة السلحفاة، برأي الكثير من المواطنين الذين ضاقوا ذرعاً من الحرب، ويتمنون الحسم في أسرع وقت ممكن، من أجل أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، لكن عند مقارنة ذلك التقدم البطيء بحالات مشابهة في بلدان الربيع العربي (سوريا وليبيا) نستطيع القول إن الحرب في اليمن في طريقها للحسم أسرع من مثيلاتها في المنطقة العربية، وأن ما حققته قوى التغيير في اليمن خلال أقل من عام، مسنودة بالغطاء الجوي لطائرات التحالف العربي، لم تستطع قوى التغيير في سوريا وليبيا أن تحققه خلال خمس سنوات.
ورغم أن المعارك ما زالت مستمرة في عدة مناطق من البلاد، لكن الواضح هو أن قوات التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة الشعبية يسيرون وفق خطة عسكرية احترافية من شأنها التقليل من حجم الخسائر وتحقيق تقدم ميداني مهم ونوعي، بشكل أربك ميليشيات المخلوع علي صالح والحوثيين.
إن سيطرة ميليشيات علي صالح والحوثيين على مناطق غير حيوية وغير استراتيجية في لحج وشبوة لا يمكن مقارنته بطردهم من مدينة عدن وسيطرة القوى الشرعية على قاعدة العند، ولذلك، فإن التقدم نحو صنعاء، بدون تحرير مناطق مختلفة، يعني الإبقاء على المليشيات الانقلابية مشتتة في هذه المناطق، وتخديرها بمناوشات محدودة، من أجل إيهامها بأنها أحرزت نصراً في تلك المناطق، لا يمكنها التفريط به، وهذا الأمر من شأنه تخفيف الضغط على القوى الشرعية في معركة تحرير صنعاء.
أما إذا كانت القوى الشرعية قد بدأت بتحرير المناطق الغير حيوية وغير استراتيجية، فإنها بذلك ستنهك نفسها قبل أن تصل إلى معركة تحرير صنعاء، وهذا الأمر يصب في صالح المليشيات الانقلابية، كما أن الميليشيات الانقلابية إذا انسحبت من المناطق الغير حيوية وغير استراتيجية وتمركزت في صنعاء، فهذا يعني أن معركة تحرير صنعاء ستكون عسيرة ومكلفة، حتى وإن بسطت القوى الشرعية سيطرتها على المناطق التي سينسحب منها الانقلابيون، ولهذا، فإن ترك مناطق غير حيوية وغير استراتيجية تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية من شأنه أن يشتت قواها، ويجعل كلفة معركة تحرير صنعاء منخفضة إلى أدنى حد. وفي حال تم تحرير صنعاء، فإن الميليشيات الانقلابية في المناطق الأخرى ستنهار سريعاً، وبعضها سيستسلم بدون قتال.
- جبهة تعز
تعتبر جبهة تعز أهم جبهات الحرب على الإطلاق، وذلك لأهميتها الحيوية والاستراتيجية، وتردي الأوضاع الإنسانية فيها جراء الحصار الخانق الذي تفرضه الميليشيات الإنقلابية على المدينة، واستهداف المدنيين بشكل مباشر.
ورغم أنه تكرر الإعلان عن بدء معركة تحرير تعز، ثم تأجيل معركة التحرير بدون إعلان ذلك، إلا أنه يبدو للمراقبين وكأن هناك مؤامرة لإطالة أمد الحرب في تعز، حتى بعد تحرير أمانة العاصمة.
أعتقد أن هناك العديد من الأسباب التي حالت دون تحرير تعز، سأبينها في ما يلي:
- تخاذل قوات التحالف العربي عن إمداد المقاومة الشعبية في تعز بالأسلحة الحديثة وبشكل يتناسب مع طبيعة المعركة يعكس طبيعة العلاقات المسممة بين حزب الإصلاح والسعودية بالذات، واستمرار حالة عدم الثقة بينهما، وبالتالي، فالسعودية والإمارات، تريدان استمرار المعركة في تعز حتى يتم القضاء على المقاومة التي يشكل حزب الإصلاح عمودها الفقري، وإذا حدث أن أوشكت المقاومة الشعبية (حزب الإصلاح) على الانتصار، فربما تقدم السعودية على قصف مواقع المقاومة بالطائرات، وإمداد الميليشيات الإنقلابية بالأسلحة، ثم ستقول بأن ذلك حدث عن طريق الخطأ، من أجل إحداث نوع من التوازن، بحيث يقضي -أو ينهك- كل طرف الطرف الآخر، وفي أحسن الأحوال، ستتدخل السعودية سريعاً لتحصد النصر وتنسبه لنفسها.
- تدرك السعودية والسلطة الشرعية الهشة أن المقاومة في تعز تشمل مختلف الأطياف السياسية، وليست مقتصرة على الإصلاحيين والسلفيين، لكن الواضح أن مختلف الأطراف داخل اليمن وخارجها يجمعهم الحقد والغيرة من تعز، بسبب مدنيتها وحيويتها ودورها الوطني وتأثيرها السياسي، ولذلك فالجميع يريدون إنهاكها وإضعافها، خاصة بعض الدول الخليجية، التي لا تريد أن يتمدن اليمنيون ويتعلموا حتى لا يكونوا أفضل من الخليجيين، كما أن انطلاق الثورة الشعبية السلمية في اليمن عام 2011 بدءاً من تعز جعل بعض الدول الخليجية المناوئة للربيع العربي تكن كرهاً شديداً لأبناء هذه المحافظة.
- هناك عوامل أخرى تتعلق بخصوصية تعز، مثل الطبيعة المدنية لأبناء المحافظة وميلهم إلى السلم، وحبهم للعلم والعمل، وتشتت شباب المحافظة في مختلف المحافظات اليمنية، كطلاب وعمال وموظفين ومدرسين وأطباء وغير ذلك، بالإضافة إلى الطبيعة الجغرافية المعقدة للمحافظة، التي وفرت للإنقلابيين أماكن يحتمون فيها، وتحصينات تصد عنهم هجمات المقاومة، خاصة وأن أسلحة المقاومة هي أسلحة خفيفة في الغالب، وغير قادرة على حسم المعركة، لا سيما وأن الطرف الآخر يحارب بأسلحة الدولة.
وأخيراً، يجدر التذكير بأن الحرب الدائرة في البلاد هي معركة بين النور والظلام، بين الحق والباطل، بين المساواة والعبودية، بين المدنية والهمجية، بين من يريدون أن تنتقل البلاد إلى مرحلة الدولة، وبين من يريدون جعلها مزرعة خاصة بهم وحدهم، بذريعة السلالة والحق الإلهي، والإيمان بالخرافات! وتعلمنا دروس التاريخ، أن الحق هو من سينتصر في نهاية المطاف، شاء من شاء، وأبى من أبى!