وليد البكس | غرفة الأخبار
لم يعد الطريق سالكا الي صنعاء برآ وجوا يستمر قصف الطيران الحربي مرهونا باستمرار سيطرة المليشيا.
إذ تعيش العاصمة كغيرها من المدن حالة حصار مطبق منذ أشهر في محاولة ما يقول عنه التحالف العربي ان سيطرة الحوثيين عليها اودى بها الي العزل،
الجزء الأخير ربما تسير فصوله الآن، لكن ما الذي حدث في مثل هذا اليوم من العام المنصرم، ينفتح صندوق الذكريات على تأريخ اقل ما يمكن ان يوصف بالمأساوي.
الواحد والعشرون من سبتمبر أيلول استيقظت صنعاء على واقع سياسي وعسكري جديد، بعد أن تمكنت الجماعة المتمردة من السيطرة بسهولة على مفاصل مهمة في العاصمة وبتواطؤ قيادات تدين بالولاء ل علي عبد الله صالح الذي ظل أشهر قبل اسقاط صنعاء وبعدها ينفى التنسيق الملتبس بينه وبين جماعة الحوثي، الذي يعود تأريخ تأسيس الجماعة على يد حسين الحوثي الي مطلع العام تسعة وتسعين من القرن الماضي كذراع عسكري،
ظلت طوال سنوات التأسيس تحظى برعاية بعض رموز نظام صالح، فنشأت وترعرعت في كنفه وعندما اختلفوا خاضت سبعة حروب مع الجيش، مستغلة اندلاع ثورات الربيع العربي التي ساهموا فيها بطريقتهم الخاصة كما يقول عنها الكثير، ضعضعت اركان نظام صالح لكن الجماعة ما لبثت ان ذهبت الي التنسيق مع صالح لتحقيق مآربهم معا في الطائفية والعصبوية السياسية.
وصباح يوم غير اعتيادي شعر الناس في صنعاء وفي ارجاء البلاد وكأن شيئا ما وقد ارتد على قلوبهم، لقد باتت جمهوريتهم هي المستهدفة من تطويق العاصمة ومسابقة الزمن على اخضاعها،
لم ينتصف نهار هذا اليوم؛ إلا وبات مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والبنك المركزي، والمطار والتلفزيون، ومقر الحكومة، وبعض مقرات الحماية الرئاسية ووزارتي الدفاع والداخلية، في قبضة الجماعة المتمردة، بعد ان هاجموه خلال ثلاثة أيام متتالية.
يتمكن الحوثيون، أيضًا من اقتحام قيادة الفرقة الأولى مدرع سابقا وغيرها من المواقع العسكرية بما فيها من عتاد عسكريا اليات وعربات واسلحة متنوعة سارعوا في نقلها الي معقلهم في عمران وارسالها الي صعدة.
أعقب ذلك مهاجمة عدة مساكن لمعارضين وناشطين سياسيين وحقوقيين واختطافات في اوساطهم برفقة صحافيين في إشارة الي هزيمة الخصوم وإخضاعهم وفرض سلطة الامر الواقع.
يستمر القلق اخذا طريقة ولم تهجر الحيرة وجوه الاسوياء في الشارع، بينما كانت لمن في الضفة الأخرى المتمثلة بجماعة الحوثيين وانصارها دهشة الانتصار على الجمهورية واسقاط العاصمة.
مثل سقوط صنعاء السريع صدمة للكثيرين، وقالت إيران ان عاصمة عربية رابعة في طريقها الي الضم في إطار صعود الحالة الشيعية السياسية، وذهب آخرون إلى أن هدف الحوثيين من السيطرة على العاصمة هو تعزيز موقع الحوثيين لانتزاع اتفاق أفضل واحراز حصة أكبر من السلطة مما قدمته لهم مخرجات الحوار الوطني الذي جرى توقيعه في وقت سابق من نفس العام.
ولان صنعاء واجهة اليمن واحد اهم منافذه الي الخارج تحولت الي ساحة للصراع السياسي والعسكري وبدأ فيها دوار آخر، لجماعة أخيرة قادمة من قرون بائدة، لما كان ينتظر منها ان تلعبه عقب الربيع العربي، فضاقت ذرعا على كل من كان له علاقة بالتغيير ضد نظام الراقص على رؤوس الثعابين، وفي مقدمتهم شباب الثورة، إذ تحولت صنعاء وليس الساحة فقط حلبة استثنائية لممارسة دورهم الثأري من الربيع وأبنائه.
نسفت الجماعة كل الاتفاقات محددة خيارا عسكريا للتوسع، متخذة من الجرعة السعرية أحد اهم الذرائع بالإضافة الي حالة السيولة السياسية والأمنية التي أتاحت لهم الفرصة السانحة للسيطرة على اغلب المدن واشعال الحرائق فيها، والذهاب الي اشهار مرحلة جديدة من المناورات على الحدود في تهديدا صريحا للداخل والخارج.
وهو السبب ذاته الذي دفع بعشر دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية الدخول في تحالف عسكريا واسع دشنته نهاية مارس الماضي بشن غارات ضد اهداف ومخازن عسكرية ومعاقل للجماعة المتمردة وحليفهم الرئيس المخلوع في صنعاء وعددا من المدن،
إذ لم يكن ما حدث بمعزل عن العالم، وعلى وجه الخصوص منذ ذهبت المليشيا الي السيطرة على السلطة قاصدة الدولة جلبت المتاعب الي كل بقعة في البلاد وليس لصنعاء وحدها.
وان لم يكن جارك المستهدف فقد تتلقى الضربة انت، هذا ما بات عليه حال اغلب سكان العاصمة صنعاء اليوم بعد انبعاث رسائل صريحة من التحالف بتخليصها من قبضة المليشيا، وهو أيضا ما يميزها عن بقية المدن، التطويق بالمعسكرات وتخزين السلاح وتمركز مساكن قيادات عسكرية وسياسة ووجاهات قبلية مولية للرئيس المخلوع والمليشيا فيها، ما حولها الي هدف كبير للطيران على أثره يجري كل يوم استهدافها لإعادتها الي وضعها الطبيعي كعاصمة للدولة وليس لعصابة.