يحيى، المغترب في ماليزيا منذ قرابة 11 عاما، عاد إلى اليمن قبل خمسة أشهر في زيارة لأسرته بمحافظة إب (وسط اليمن) ولغرض أخذ ابنه معه إلى ماليزيا لإكمال دراسته والبحث عن فرصة عمل هناك.
يقول يحيى في حديثه لموقع قناة "بلقيس" سافرت إلى تعز ثلاث مرات لغرض الحصول على وثيقة جواز السفر لإبني لكن دون جدوى. بالإضافة إلى خسارتي 150 ألف ريال نفقات السفر والاقامة في المدينة ودفع مبالغ مالية لسماسرة في المصلحة يعطوك مواعيد وآمال كاذبة.
وتابع: "سماسرة في مصلحة تعز طلبوا مني مبلغ 800 دولار وبشرط أن استلم دفتر جواز السفر بعد أسبوع فقط، ويتم ارساله لي لمدينة إب".
سماسرة مصلحة الجوازات
يشير يحيى ألى أنه تلقى عروضا مغرية للحصول على جواز سفر بمبلغ 300 ألف ريال، لكن عبر سماسرة حوثيين يعملون في مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة إب الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، على أن يصدروا لي دفتر جواز من العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد) عن طريق سماسرة يتعاملون معهم، وبأن يأخذوا كل بياناتي ويرسلوها إلى عدن.
وتوقفت فروع مصلحة الهجرة والجوازات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، منذ مطلع مارس الماضي، عن إصدار جوازات السفر، بمزاعم نفاد دفاتر الجوازات، ما تسبب في معاناة كبيرة للمواطنين، لاسيما المرضى الذين يحتاجون السفر للعلاج في الخارج.
وينتشر على أبواب فروع مصلحة الجوازات، عشرات السماسرة الذين يعرضون تسهيلات على الراغبين في الحصول على وثيقة سفر، ويضعونهم أمام خيارين: إما دفع مبلغ مالي كبير يصل إلى 300 ألف، او البقاء أشهر إلى حين تتوفر دفاتر الجوازات - كما حصل مع يحيى محمد.
فساد مستشري وتحفظ رسمي
حاول موقع قناة "بلقيس" التواصل مع مسؤولين في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن وتعز ومأرب وهي مناطق محررة تخضع للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، للتعليق على عدم توفر جوازات السفر، لكن دون جدوى.
مصادر مقربة من مدير مصلحة الهجرة والجوازات بمأرب العقيد عبدالسلام أحمد البشير بعد محاولات التواصل معه، افادت بإن مدير المصلحة مسافر خارج اليمن. لكن مصدر مسؤول في مصلحة الهجرة بعدن طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث لوسائل الاعلام، أشار إلى أن هناك تحفظ كبير في إدارة المصلحة حول التعليق عن قضايا فساد وبيع جوازات السفر بالسوق السوداء وبأسعار باهظة.
تقاعس الحكومة
مسؤول حكومي طلب عدم الكشف عن هويته - كونه غير مخول بالحديث لوسائل الاعلام - قال لموقع قناة "بلقيس" إن "انعدام الجوازات أمر خطير، ويعكس تقاعس الحكومة بمختلف أجهزتها ومسؤوليها، ولا يوجد مبرر مقنع يفسر هذا الأمر".
أدعو الجميع للتفاعل مع حملة #وين_الجوازات #اين_الجوازات.
— سمير النمري Sameer Alnamri (@sameer_alnamri) ١٥ مايو ٢٠١٩
لمطالبة الحكومة الشرعية اليمنية بسرعة توفير جوازات السفر للمواطنين والمتوقفة منذ نحو أربعة أشهر.
واردف: "ليس من الوارد إطلاقا أن تنعدم الجوازات، ويظل المواطنين بلا هوية، وتتضرر مصالح الآلاف منهم، كالمرضى والطلاب، والراغبين في السفر". متابعا "اليوم بجانب أن اليمني صار مشردا ولاجئا في الخارج، ونازحا ومحاصرا وجائعا في الداخل، يفقد ما تبقى له من هوية".
وتحت هاتشاج #اين_الجوازات، أطلق ناشطون يمنيون حملة على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب الحكومة بتوفير جوازات السفر والكشف عن أسباب انعدامها ومحاسبة سماسرة مصلحة الهجرة الذين يتاجرون بالجوازات وبيعها في السوق السوداء بمبالغ باهظة.
وعزى نائب مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بمحافظة تعز، العقيد صادق المخلافي، في تصريحات صحفية سابقة أسباب توقف إصدار الجوازات من فروع المصلحة بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، إلى نفاد دفاتر الجوازات، وأمور فنية ومالية، ما اضطر إدارة المصلحة إلى إيقاف إصدار جوازات السفر للمواطنين.
وقال المخلافي: إن "عملية إصدار الجوازات بفرع المصلحة بتعز، اقتصرت في الوقت الحالي على الحالات الطارئة لمرضى الفشل الكلوي والسرطان المحتاجين للسفر، بالإضافة إلى جرحى الحرب.
ومن جملة المسؤولين اليمنيين الذين انتقدوا هذا الوضع هو ابراهيم الجهمي ملحق شؤون المغتربين بالسفارة اليمنية بالقاهرة الذي كتب أكثر من منشور في صفحته على الفيسبوك متسائلا عن مبررات انعدام الجوازات.
وقال الجهمي: حكومة عجزت وفشلت في طبع وتوفير دفاتر جوازات يدفع المواطنين عشرة اضعاف قيمتها.. فكيف بها أن تنجح في تنفيذ وانجاز مهام وواجبات اكبر؟
وضاعفت الحكومة اليمنية المأساة، فإضافة إلى عدم توفير الجوازات، لم تقدم أي توضيح للناس، وسوقت الكثير من الوعود عن قرب وصول الجوازات ولكنها لم تف بأي من وعودها.
مرضى عالقون
قرابة شهر ونصف، الرائد منير الشعري، ظل ينتظر الحصول على وثيقة جواز سفر من محافظة تعز لإسعاف والدته إلى القاهرة التي أصيبت بعد تعرض منزلهم لقصف بقذيفة أطلقتها مليشيات الحوثي.
يقول الشعري لموقع قناة "بلقيس" إن والدته بحاجة لإجراء عملية جراحية مستعجلة لشبكية العين أصابتها شظايا قذيفة اطلقتها مليشيا الحوثي وقعت جوار منزلهم في مدينة النور.
يضيف الشعري وهو خريج كلية الطيران والدافع الجوي: "شهر ونصف وأنا ابحث عن دفتر جواز رغم توفر لدي كل التقارير الطبية التي تؤكد حساسية الوضع الصحي لوالدتي والذي من الممكن أن تخسر عينها الاخرى اذا لم تجرى الجراحة".
وقال "حاولت في جوازات تعز ولم اتمكن بعد ابلاغنا بضرورة الحصول على توقيع المدير لاستخراج جواز الحالة الطارئة، فيما أن المدير مسافر في عدن ما يعني استحالة الحصول على جواز". مضيفا " ذهبت الى عدن ولم اتمكن ايضا بعد أن امضيت أكثر من 10 أيام من الحصول على جواز سفر".
وأضاف: "حصلت على دفتر الجواز الاربعاء الماضي، بعد شهر ونصف من البحث والتعب، لكن عبر وساطات" – على حد قوله.
يمضي الشعري متحسرا بالقول: "حين تقصف المليشيات منزلك ومسكنك وتحرمك الشرعية من جواز لتعالج جريحك، رغم استعجال الحالة وضرورة الاسراع بالسفر لخطورة الاصابة، وبالرغم من توفر التقرير الطبي الذي يوضح ذلك".