ولا يخفى على الجميع ، أن معظم الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية ، هي صناعة ، قوى سايكس – بيكو ، التي مكّنت لها ،ورعتها ، وتضمن بقائها واستمرراها ، بالإشتراك مع الولايات المتحدة وحلفائها ، إن هذه القوى الظلامية ، تعبث بالمنطقة ، وتصنع الأحداث وفقا ً لمصالحها الأنية والإستراتيجية ، وبما يضمن أمن الكيان الصهيوني ، والنظام الحاكم في الإمارات ، ينفذ الأدوار المرسومة له ، بإحترافية ومهنية عالية .
ومن هذه الأدوار بحسب وحدة البحوث والدراسات في حزب الأمة الإماراتي ، الدعم الغير مسبوق واللامحدود للمنشق العسكري السوداني جون قرنق عام 1993م ، وكان هذا الدعم على شكل مبالغ مالية ضخمة ،وشحنات كبيرة من الأسلحة المتطورة ،كانت تنقلها الطائرات العسكرية الإمارتية مباشرة الي الجنوب السوداني ، وكان لهذا الدعم السخي من دولة الامارات لقرنق أثرا ً كبيرا ً في انفصال جنوب السودان عن شماله ، وتحقق لقوى الإستشراق السوداء أبلغ أهدافها ،بل أهم أهدافها ، وهو مشروع تفتيت وتمزيق المنطقة العربية.
كما قامت دولة الإمارات بإرسال قوة عسكرية عام 1999م، الى كوسوفو ، الي جانب القوات الإمريكية ، لتنفيذ مقررات الأمم المتحدة ،حتى تبقى كوسوفو تحت الإدارة الدولية ، ولتمنع استقلالها عن صربيا ، وشاركت القوات الإماراتية في برامج تهدف لكسر إرادة الكوسوفيين لمنعهم من الإستقلال عن صربيا ، كما قامت دولة الإمارات بإرسال قوة عسكرية إلى افغانستان أثناء الغزو الأمريكي لها عام 2003 م ، ودفعت ثمن تدخلها هذا ، بمقتل مجموعة من كبار موظفيها في قندهار مطلع عام 2017م،كان على رأسهم السفير الإماراتي.
كما قامت الإمارات ،بتمويل ودعم الثورة المضادة في ليبيا عقب ثورات الربيع العربي ، ودعمت بشكل أساسي تأسيس ما يسمى بالجيش الليبي بقيادة الجنرال حفتر ، الذى قاد حرب شعواء ضد ثوار بنغازي عام 2014م تحت مسمى "معركة الكرامة " ، وأشارت تقارير صحفية الي تكليف دولة الإمارات لشركة ريفلكس ريسبونسز " بلاك ووتر سابقا ً" بتشغيل قاعدة مطار الكاظم لقصف المدن الليبية ، لقد بالغت الإمارات كثيرا ً في الدور المرسوم لها في ليبيا ، عندما أرسلت ظباط مخابرات امارتيين إلى ليبيا ، منهم يوسف صقر الولايتي ، والذي قتل على الأراضي الليبية أثناء محاولته الفرارمن أحد السجون الليبية.
كما رُسم للإمارات شن حرب أمنية كبيرة ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس على وجه خاص ،والمشروع الجهادي الفلسطيني بشكل عام ، لوأد المشروع الجهادي الرامي لإستعادة الأراضي العربية المحتلة ، وفي إعتقادي ان هذا الدور يعتبر أهم وأخطردور تلعبه الإمارات ، وذلك لأهميته البالغة لقوى الظلام المعادية وعلى رأسها قوى الإستبداد الصهيوني ، وكانت أبرز ملامح الحرب الأمنية التي قادتها الإمارات ضد المشروع الجهادي الفلسطيني ، إعتقال احد قيادات حركة حماس عام 1992في أبوظبى ، وإخضاعه للتعذيب لمدة ستة أشهر ، ثم ترحيله بلاعودة .
وبحسب تصريحات هذا القيادي في حركة حماس فقد كانت التحقيقات معه لجمع معلومات دقيقة عن نشاط الحركة في الضفة والقطاع ، كما قام النظام الإمارتي بدعم الجهاز الأمني الذي أسسه الكيان الصهيوني أثناء اتفاقية اوسلوعام 1993م، وتأسيس السلطة الفلسطينية ، وظهر ذلك الدعم الإماراتي للعيان ، عندما ساندت الإمارات محمد دحلان في محاولته الانقلابية الفاشلة عام 2003م ، ثم قبلت لجوئه إليها ، وأصبح بعد ذلك أحد مستشارى محمد بن زايد .
ولم تدعم الإمارات الثورة المضادة في ليبيا فقط ، بل دعمت كذلك الثورة المضادة لفلول النظام السابق في مصر ، وأحتضنت رموز النظام السابق مثل أحمد شفيق ، وقدمت دعما ً لامحدود ، ماليا ً ولوجوستيا ً للإنقلاب على الشرعية الدستورية ، والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي ، لقد أثبتت الإمارات ولائها للمشاريع المعادية للأمة العربية والإسلامية ، وتماهت مع هذه المشاريع كغيرها من دول المنطقة ، في سياق البرجماتية السياسية ، الطامحة للإستمرار والبقاء في الحكم والمتطلعة لعناصر القوة والنفوذ والتوسع ، على حساب القيم والمبادئ وأسس الفضيلة والحرية والعدالة .
وبحسب وحدة الدراسات والبحوث بحزب الأمة الإمارتي ، فتحت الإمارات سجونها ومعتقلاتها لأجهزة المخابرات الأمريكية كسجون سوداء لاتخضع للقانون الأمريكي ، وجعلت من موانئها ومطاراتها بؤرلإحتجاز المشتبه بهم ، حيث قامت بإعتقال واحتجاز عدد غيرمعلوم من المشتبه بهم ،وأخضعتهم للتعذيب ،والإحتجاز ، ونقلتهم إلى الولايات المتحدة ، كما قامت الإمارات بإستضافة شركات أمنية مشبوهة ، مثل شركة بلاك ووتر، والتي وقعت معها عقد لمدة خمس سنوات ، للتحقيق ، والإعتقال ، على أرض الإمارات وخارج نطاق القانون .
لا يسعني في هذا المقال المقتضب ، أن أسرد كل أدوار دولة الإمارات والتي كُلفت بها من قبل قوى الظلام الإمبريالية الراعية الخفية للإرهاب والفوضى البرجماتية ، ولكن بعد عرض بعض أدوار نظام الإمارات في المنطقة ، يمكننا أن نفهم دورها الذي رسم لها في اليمن بكل وضوح ، فهي تبحث عن جون قرنق آخر في اليمن لتدعمه لكى تفصل شمال اليمن عن جنوبه ، وكلنا يعلم أنها عثرت عليه ، وتدعمه دعما ً لا محدود ، هذا المحور الأول لدورها في اليمن ، أما المحور الثاني فهو تصفية قوى التغيير التي برزت عقب ثورة 11فبراير وفي طليعتها حزب الإصلاح ، أما المحور الثالث فهو بإعتقادي إعادة إنتاج النظام السابق وتمكينه مرة أخرى من السيطرة على مراكز إتخاذ القرار .
في مطلع خمود ثورات الربيع العربي ، وبداية إنتصار الثورات المضادة لها، كنت مع الرأى الذى يرى أن قوى سايكس – بيكو والقوى الصهيونية العالمية المتحالفة مع الولايات المتحدة ، تسعى بخطى حثيثة لحفظ النظام العربي بشقيه (الملكي والجمهوري ) من أن تصل اليه أصابع التغيير والثورة ، فهو ذو تركيبة تأسيسية واحدة ، ونشأ في سياق تاريخي واحد ، لذلك فمصيره واحد ، وإن تصدع جزء من هذا النظام فإنه سيؤدي الي إنهيار بقيته .
ولكن الأن ،وبعد أن طال أمد الصراع في سوريا وليبيا واليمن ، أعتقد أن هذه القوى الظلامية تمارس لعبة خطيرة وذكية جدا ً، فهذه العقول التي بلغت سطح القمر ، وصنعت الصواريخ والطائرات التي تسبق الصوت ، أبدعت في التكنولوجيا ،فقد أبدعت كذلك في خداعنا ، وأبدعت في صياغة مشاريع فكرية وعقائدية تخريبية ، جعلت منا مجرد أدوات ننفذ أجندتها ومشاريعها ، بدون تفكير ،ومن أجل مصالح ذاتية صغيرة .
إن هذه القوى تريد للصراع الدائر أن يستمر ، فهي في سوريا مثلا ً، لا تريد للنظام أن يحسم المعركة ،كما لاتريد للثوار أن ينتصروا ،وكذلك في ليبيا ، إن هذه القوى تدعم كل الأطراف ،وتغذي الصراع بكل قوة ، وبذلك تحقق أهداف مشاريعها القديمة الجديدة ، ومنها ، بيع وتسويق منتجاتها العسكرية ، تقسيم المنطقة إلى كيانات صغيرة ، وضعيفة ، يسهل في وجودها ،تمرير صفقات التنازل عن المقدسات والأراضي العربية والإسلامية ، والتحالف المطلق مع الكيان الصهيوني ، من أجل محاربة خصوم صنعتهم هذه القوى الظلامية.