الجنوبيون يمنيون، قبل كل شيء، ولا يسطع أحد بجرة مزاح، أو لحظة ردة فعل، أن يقرر أنهم ليسو كذلك، الجنوبيون مدنيون أيضا، ولن تفلح كل المحاولات لجرهم بعيدا عن فكرة التعايش، وكونهم يؤمنون بالتعايش لا يعني أنهم يقبلون بالظلم الذي حصل عليهم من قبل نظام صالح، ثم سلطة الحوثي وصالح، وكونهم يمنيون لا يعني أنهم مجبرون على البقاء على سلطة قاهرة ومستبدة، ولو كانت هذه السلطة تعني الوحدة.
الوحدة، خيار سياسي، وليست عقيدة سماوية، هذه بدهية لا تحتاج لجدال كبير، حتى الذين يتحدثون عن الوحدة كعقيدة، العقيدة أيضا خيار من حق الناس قبوله أو رفضه، لكن الانفصال أيضا خيار سياسي ومن حق الناس قبوله أو رفضه، وهذا الأمر في النهاية مرهون لآليات واضحة تضمن شفافية الاختيار، لكن الإشكالية لا تكمن هنا، بل تثوي في محاولة متطرفي الوحدة والانفصال تزييف إرادة الشعب، والاتجاه لفرض الوحدة أو الانفصال، عبر الاستبداد السياسي أو الطائفي، وليس عبر الاستفتاء الحر المباشر.
لقد انتقلنا من مرحلة، الوحدة أو الموت، إلى مرحلة الانفصال أو الموت، لقد عمل الخيار الأول على اماتة الوحدة وسيعمل الخيار الثاني على موت الانفصال، الموت لا يمكن أن ينجح في فرض الخيارات السياسية، والذهاب إلى الموت لتحقيق مآرب سياسية، دليل على فشل النخب اليمنية في إقناع الناس بمشاريعها اللاوطنية، حتى التوجه لانفصال الجنوب؛ إن تم، لا يعني التنكر لليمن كهوية وطنية.
ينبغي التذكير أن الوحدة اليمنية أساء اليها نظام قمعي استبدادي، وهذا النظام رموزه خليط من شماليين و جنوبيين، كما أن الذي وقف ضده شمالييون وجنوبيون أيضا، مما يعني أن الأمر له علاقة بفساد النظام وليس بفكرة الوحدة، الوحدة التي حدثت في مثل هذا اليوم، وتمر ذكراها (ال 27)، واليمن في أحلك الظروف، بعد أن اختطفت منها جماعة الحوثي وقوات صالح، مؤسسات الدولة، ويأتي هذا اليوم واليمنيون يخوضون مقاومة لاستعادة وطنهم المختطف، وكان من المؤسف أن يأتي هذا اليوم ومناطق الجنوب اليمني المحررة من سلطة الانقلاب، لم تشهد بعد استقرار سياسيا وأمنيا، والأكثر ايلاما محاولة بعض النخب الجنوبية، فرض رؤيتها الغير واقعية قبل اكتمال استعادة مؤسسات الدولة، وقامت هذه النخب ليس فقط بمحاولة الانقلاب على الشرعية، بل وحتى على الارادة الجمعية للجنوبيين.
ينبغي التذكير أن الوحدة اليمنية أساء اليها نظام قمعي استبدادي، وهذا النظام رموزه خليط من شماليين و جنوبيين، كما أن الذي وقف ضده شمالييون وجنوبيون أيضا، مما يعني أن الأمر له علاقة بفساد النظام وليس بفكرة الوحدة
ولقد بات واضحا أن إرادة الأغلبية في الجنوب قبل الشمال، تسير مع الفكرة الواقعية لحل الصراع اليمني، والمتمثل في اليمن الاتحادي، بعيدا عن فكرة الوحدة الاندماجية القسرية، التي أنتجت نظاما عانى منه الجنوب والشمال، وبعيدا أيضا عن فكرة الانفصال التي عاني منها الجنوبيون بشكل كبير.
لقد أتت فكرة الفيدرالية، كحل وسط لإنقاذ اليمن من الوحدة القهرية التي حكم باسمها نظام صالح، وبين الاتجاه للفوضى التي تنتج عن المشاريع المناطقية والمذهبية، واليمن الاتحادي أجمع عليه اليمنيون من الشمال والجنوب في مؤتمر الحوار الوطني كان هذا المؤتمر قد أنتج مسودة دستور وحدة جديد، لولا الانقلاب المشؤوم
وهو الدستور الذي تتنكر له بعض القوى المناطقية والمذهبية في الجنوب والشمال، وتتعارض مع رغبة الشرعية في استمرار النضال لاستعادة اليمن ككل من سلطة الانقلاب، وهي رغبة تقف معها إرادة الشعب اليمني، الراغب في أي حل يضمن استقرار اليمن.
ويبقى القول؛ أنه ورغم كل الكيانات الانقلابية في الشمال والجنوب، والتي تحاول تزوير إرادة الجنوبيين والشماليين، فإن المستقبل اليمني، قادم لا محالة، مستقبل يمني لا يتنكر للوحدة، لكنه في ذات الوقت يؤمن بالتعددية عبر إطار اتحادي يضمن توزيع عادل للثروة، صحيح أن هذا المستقبل اليمني محاط بالتآمر عليه من قوى محلية، مسنودة بقوى خارجية، لكن هذه القوى لن تكون في النهاية أقوى من إرادة الشعب اليمني، الذي قد يقدم التنازلات من أجل صيغ متعددة تؤكد تعايشه، لكنه لن يقبل فرض صيغ تؤدي لتمزقه، أو تعمل على نفي يمنيته.
من صفحة الكاتب على فيس بوك