على الفور ، رفعت في وجه من يطالبون بالحكم المحلي شبهة "الحنين إلى التشطير" ، حتى أن البعض بدأ يوجه أصابع الاتهام بتصنيف الآخرين بين وحدويين وانفصاليين بناءً على موقفهم من التسمية.
يعني أن المتمسك بتسمية " الحكم المحلي " متهم بالحنين إلى التشطير ، أما المؤيد لتسمية " الإدارة المحلية " فموقفه من الوحدة لا غبار عليه.
كان هذا في ذلك الوقت المبكر والوحدة لا ترال تنضح بالآمال.
عقد اجتماع برئاسة رئيس مجلس الرئاسة يومها بحضور نائب الرئيس وبقية أعضاء المجلس ، ورئيس الحكومة ونائبه للشئون الداخلية ، ورئيس مجلس النواب ، ووزير الشئون القانونية لمناقشة الموضوع.
لم ينته الإجتماع إلى شيء وطلب من مجلس النواب تأجيل مناقشة القانون .
عرضوا الخبر الاعلامي عن الاجتماع للرئيس الذي عرضه على الحاضرين . تكرر ذكر الوحدة في أكثر من فقرة من الخبر . طلبت الكلمة ، قلت :
لماذا لا نضع كلمة "الجمهورية" بدلاً عن "الوحدة" في موضوع الخبر لأن الخبر لا بد أن يأتي في سياق متفق مع طبيعة الاجتماع الذي يبحث في شأن الدولة. فبينما "الوحدة" عنوان سياسي فإن الجمهورية عنوان دستوري يعكس شخصية الدولة. استحسن الجميع الفكرة.
أصبحت الوحدة العصا الغليظة التي يعاقب بها كل مخالف ، ووسيلة لتمرير الحروب ، وأداة لقمع المطالبين بإقامة الدولة .
غير أن الخبر أذيع على نحو مختلف ، بل وبصورة أكثر حدة وبتعبيرات تؤكد على أهمية الحفاظ على الوحدة وتحذر من المخاطر التي قد تتعرض لها ... إلى غيرها من تلك العبارات التي فهم منها أنها رسائل لا تختلف عن التصنيفات التي كان يجري تداولها بشأن الموقف من تسمية القانون .
كان واضحاً أن هناك توجهاً لاستخدام "الوحدة "كعصا لقمع الاختلاف ،لا حباً فيها ، ولكن لأنها القوة المعنوية الوحيدة التي كانت تستطيع يومذاك أن تعصف بأي فكرة لا تروق لصنعاء .
على نحو مقصود أخذوا يبرزون الوحدة على حساب الدولة في مواجهة مصاعب الحياة لسببين إثنين :
الأول لتبدو الأمور وكأن الوحدة هي السبب المنشيء لهذه المصاعب ، والثاني لتغطية النوايا الحقيقية التي تعكس معارضة إقامة الدولة المجسدة لارادة دولتين .
استهلك مشروع الوحدة في مقاومة الاصلاحات ، وتكريس اللادولة ، وتبرير العنف والاغتيالات والحروب .. كما استهلكت باعتبارها في نظر الناس مصدراً للمشاكل والمصاعب بوضعها في الواجهة نيابة عن الدولة . وكان الاتهام بالانفصالية وسيلة لإبتزاز كل صاحب رأي أو موقف ..
أصبحت الوحدة العصا الغليظة التي يعاقب بها كل مخالف ، ووسيلة لتمرير الحروب ، وأداة لقمع المطالبين بإقامة الدولة .
ثم أخذت المسألة تتسع خارج بعدها السياسي ليتم تجذيرها في إطار ديني ، فمن كان يتهم بالانفصالية يستتبعه مباشرة الحكم عليه بالمعصية . تداخل توظيف الوحدة على هذا النحو مع التحالفات السياسية الامر الذي حملها وزر السياسي الانتهازي الذي كان كل همه السيطرة على السلطة ، ومعه أن تكون الوحدة أداة من أدوات هذه السيطرة .
هكذا تم التعامل مع الوحدة .
وبتوافق تام مع هذه النظرة لوظيفة الوحدة عند نظام صنعاء بعدئذ ، نشأت الثقافة التبريرية المعاقة والتي نراها اليوم في صورة متلازمة خبيثة للأفعال التي تصر على استخدام الوحدة للقمع أو التشويه أو الشتم أوتمرير جرائم العنف والحروب .
في عام ١٩٩٤ وظفت الوحدة لتمرير حرب كان هدفها الاساسي التغلب على قرار إقامة الدولة وفقاً لوثيقة العهد والاتفاق ، أفشل القرار بإشعال الحرب من أجل الهيمنة على السلطة . حرب عنوانها الوحدة وهدفها نقيض الوحدة تماماً .
واستخدمت مرة ثانية عندما تحدث صالح بلسان الحوثيين عام ٢٠١٥ يهاجم الرئيس هادي الذي ذهب الى عدن بعد احتجازه في صنعاء ومهدداً إياه بالقول : هذه المرة لن يكون أمام "الانفصاليين" غير طريق واحد للهروب، هكذا خاطب رئيس الدولة كإنفصالي ، وهو الذي يفترض أنه قد أصبح مواطناً بعد إدعائه أنه قد سلم السلطة !! لاحظوا توظيف الوحدة مرة أخرى في سياق متصل مع مفهومهم ونظرتهم للوحدة .
لا غرابة إذاً أن ترتفع الان هذه الأصوات الممجوجة شاهرة الوحدة المغدورة لتغطية ما حدث من تحول في المعارك مع عصابة الحوثي باتجاه الجنوب لتشكل غطاء ، وربما دعماً، لخطته القبيحة .
هكذا دمروا الوحدة ، وعلى هذا النحو وظفوها ، ثم راحوا يذرفون عليها دموع التماسيح.