غير أن الإضافة النوعية التي فتحت الثورة نافذة واسعة أمام دخولها للمجال العام، هو هذه الأجيال الجديدة التي آخذ وعيها السياسي يتفتح وطاقاتها الإبداعية تتدفق. لقد بدأت التجربة الفريدة للتو وبدأت عملية صناعة المستقبل.
عندما نتحدث عن الشاب أمجد عبدالرحمن الفتى الذي لا يزال يدرس الثانوية ونقول أنه من بين أولئك الشبان الذين ستشكل الثورة نقلة نوعية على مستوى وجدانهم ووعيهم، فهذا لأن أمجد يمثل نموذجا حيويا لما صنعته الثورة، وكيف أن أعدائها ومن ناصبوا فبراير العداء، فزعوا من هذا الفتى الذي يعبر عن تطلعات وأحلام جيل كامل، ليقوموا بقتله منتصف مايو 2017 في جريمة مشهودة ومتسلسلة، لتصبح حياته ونشاطاته المتنوعة بمثابة توثيق لحياة جيل واجه الخذلان ولم تسعفه الخبرة لكنه لم يستسلم بعد.
عندما نتحدث عن الشاب أمجد عبدالرحمن الفتى الذي لا يزال يدرس الثانوية ونقول أنه من بين أولئك الشبان الذين ستشكل الثورة نقلة نوعية على مستوى وجدانهم ووعيهم، فهذا لأن أمجد يمثل نموذجا حيويا لما صنعته الثورة، وكيف أن أعدائها ومن ناصبوا فبراير العداء، فزعوا من هذا الفتى الذي يعبر عن تطلعات وأحلام جيل كامل، ليقوموا بقتله منتصف مايو 2017 في جريمة مشهودة ومتسلسلة، لتصبح حياته ونشاطاته المتنوعة بمثابة توثيق لحياة جيل واجه الخذلان ولم تسعفه الخبرة لكنه لم يستسلم بعد.
كانت فبراير هي الثورة التي وحدت اليمنيين كما لم يتوحدوا من قبل خلف مطلب واحد: الشعب يريد إسقاط النظام. وهي الحدث الذي سيصعب تدجينه في وعي الأجيال الجديدة مهما كانت خلفياتهم وانتماءاتهم.
إذا لقد بدأ الزمن السياسي أخيرا بعد عقدين من التصحر الذي شمل مختلف مناحي الحياة، وبينما تفتحت الأحلام وتبرعمت الآمال، وبزغ جيل بتفكير مختلف وتوق وشجاعة خرافية، فإن الجيل الجديد الذي تنقصه أشياء كثيرة وفي مقدمتها الخبرة عندما كان عليه أن يقتحم ميدان السياسة والمعرفة من بوابة الثورة، فإنه بذلك سيغامر بحياته، طرق الموت التي كانت تحصد أرواح الشباب العزل برصاص جنود الجيش والأمن ومسلحي النظام، سوف تتطور وتأخذ أبعاد أخرى: فوضى وحرب واغتيالات وإرهاب. وهذه هي الكلمات التي تختصر معنى الجريمة السياسية التي ستنبت بموازاة الأحلام وستحصد أرواح كثيرين ومن بينهم الشاب أمجد.
عندما اندلعت ثورة فبراير، كان أمجد يدرس في الصف الثاني الثانوي، ولم يكن عمره حينها قد تجاوز 17 عاما. لكن هذا الشاب الذي أصبح بعمر الخيبات المتراكمة، سوف يجد أن الثورة قد فتحت له كما لمجايليه فرصة مقارعة الزمن الرديء ومطالبته بالتوقف. أنخرط في فعاليات الثورة بكل عنفوان ـ مظاهرات اعتصامات وفعاليات مختلفة ـ يتقدم الصفوف حاضرا كل يوم في تلك المسيرات التي كانت تجوب مدن عدن المختلفة (كريتر، المعلا، الشيخ عثمان، خور مكسر..الخ) حاملا في يديه الورود والعلم الوطني.
كان أمجد في مقدمة أولئك الذين أندفعوا نحو المعرفة والقراءة دون التوقف عن محاولة تجذير الفعل الثوري وتأسيس واقع بديل
في ذلك الوقت كان كل الشباب أمجد، لم يكن هناك من هو متميز عن الآخر، ولم يكن قد أصبح لأمجد كل ذلك الحضور والأصدقاء والنشاط الذي سيبرعم خلال السنوات اللاحقة وسيثير حفيظة القتلة. لكن بالرغم من ذلك وبالرغم من أن المعلومات التي حصلنا عليها بخصوص أمجد ومشاركته في الثورة ظلت شحيحة، إلا أنها كانت تشير إلى أننا أمام شاب استثنائي ينتمي للزمن الجديد.
الحدث الذي زلزل قلاع التسلط والاستبداد كان قد آخذ يكبر بسرعة، لهذا سرعان ما حاولت الاعتصامات الصغيرة، الانتقال إلى ساحة العروض في خور مكسر التي كانت قد اكتسبت دلالة ثورية، فهي الساحة التي شهدت على مدى سنوات مختلف فعاليات ما كان يسمى بالحراك الجنوبي. لكن الانتقال إلى ساحة العروض وقد آخذت عيون الشباب ترنو إليها رغبة في توحيد نضالات عدن وناسها، لم يكن بالأمر السهل. لهذا شهدت الأسابيع الأولى من الثورة صدامات عنيفة كان طرفها جنود الأمن الذين يمنعون الشباب من الوصول إلى ساحة العروض، وفي الطرف الأخر شباب عزل إلا من شجاعتهم الخرافية وإصرارهم على الظفر بالساحة التي ستمنح حراكهم الثوري دلالة مهمة ليس فقط على طريق توحيد عدن خلف شعار واحد، ولكن توحيد النضالات المختلفة: الثورة التي اندلعت للتو ونضالات الحراك المتواصلة منذ سنوات. ثم أن ساحة العروض لم تكن تمثل رمزية تخص عدن وحسب لكن الجنوب برمته.
واجه الشباب مختلف أنواع القمع، ضربا وغازات مسيلة للدموع ورصاص لكنهم لم يستسلموا ولم تستسلم قوات الأمن. لهذا ظلت الساحات الصغيرة قائمة، غير أن أمجد لم يستمر في ساحة المعلا، بل أتجه مع زملاء له، إلى قسم شرطة كريتر وقاموا باستخراج ترخيص لإقامة ساحة للاعتصام في ساحة مجمع البنوك التي ستعرف فيما بعد بساحة الحرية. أقيمت منصة إعلامية وكان أمجد من أبرز الشباب الذين ينظمون الفعاليات المختلفة، ولم يكتفي بذلك بل شكل مجموعة تحريض كانت تذهب كل صباح إلى مدارس مديرية صيرة الثانوية لإقناع زملائهم بأن يلتحقوا بالثورة، وهنا بدأت المظاهرات الطلابية تخرج من المدارس وتلتقي في ساحة الاعتصام رافعة اللافتات والأعلام ومرددين الشعارات الثورية.
لقد أنفتح المجال السياسي على مصراعيه، لهذا تأسست حركات وتكتلات كان أمجد جزء منها، ثم شارك في تأسيس اتحاد طلاب الثانوية في عدن وكان نائبا لرئيس اللجنة التحضيرية، لكن خبرتهم البسيطة لم تساعدهم في إكمال خطواتهم لتأسيس حركات ثورية نوعية كما هو الحال في سائر ساحات الاعتصام في طول البلاد وعرضها.
بعد مضي أشهر من الثورة، كان من الطبيعي أن يدرك الشباب الذين أنخرطوا في فعالياتها، أن عدتهم ناقصة، وأنه ينقصهم الكثير ليس من أجل إسقاط النظام (لأن هذا كان مفروغا منه) ولكن من أجل تأسيس البديل الذي سيجعل ثورتهم تنتصر. ومن هنا بدأ القلق المعرفي يتسلل إلى الشباب، وكان أمجد في مقدمة أولئك الذين أندفعوا نحو المعرفة والقراءة دون التوقف عن محاولة تجذير الفعل الثوري وتأسيس واقع بديل. فالطاقة الثورية كانت هي من تدفعهم نحو ذلك، ولم تخلو اندفاعاتهم من الشطحات التي لولاها لما كان سيحق لنا الحديث عن ثورة أو الحديث عن شاب استثنائي.
كانت المصطلحات الرائجة في ساحات الثورة تنحصر في الدولة المدنية الحديثة، في عدن وكردة فعل على تغول الجماعات الدينية، لهذا كثيرا ما تردد مصطلح دولة يمنية علمانية ديمقراطية. سواء عند تأسيس الحركات الثورية أو عند انشاء الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ولاحقا على مستوى تجمعات الشباب الذين أصبحوا معنيين بسد الهوة بين متطلبات الواقع ومستوى الثقافة والسياسة والفكر.
لهذا مع مطلع العام 2013، أنظم أمجد إلى الحزب الاشتراكي اليمني، وتواصل نشاطه السياسي من خلال المشاركة في فعاليات الحراك الجنوبي دون التمترس خلف النزعات المناطقية، وظل منفتحا على الجميع، وكان من ضمن أنشطته المتعددة، المشاركة في التحضير للمؤتمر الوطني للشباب في عدن ثم أعمال المؤتمر الوطني العام للشباب في صنعاء، لكن أيضا المشاركة في مؤتمرات وفعاليات تابعة لبعض فصائل الحراك الجنوبي. فهو حتى أخر لحظة من حياته كان من المؤيدين لمطالب الحراك المشروعة وداعما لتكويناته المعبرة عن إرادة الناس وظل حتى آخر لحظة من المتحمسين لفكرة إنشاء مجلس انتقالي جنوبي.
لم تتوقف اهتماماته السياسية، غير أن قلق المعرفة والثقافة كان قد أصبح يطغى على كل ما عداه، ربما بفعل الحرب وتلك المهام التي ألقت بها الثورة على طاولة الأجيال الجديدة.