وواجهت السعودية انتقادات واسعة، لكونها البلد الوحيد في العالم الذي يمنع المرأة من القيادة، على الرغم من التحسن التدريجي في بعض قضايا المرأة في السنوات الأخيرة، وأهداف الحكومة الطموحة لتعزيز دورها في الحياة العامة، لاسيما باعتبارها جزءاً من قوة العمل.
وعلى الرغم من محاولة المملكة إضفاء صورة أكثر حداثة في السنوات القليلة الماضية، كان حظر القيادة يؤثر سلباً على صورة المملكة على الساحة الدولية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، إن الملك أصدر أمراً سامياً بتشكيل "لجنة على مستوى عالٍ من الوزارات"، ستقوم برفع توصياتها خلال 30 يوماً، ثم تطبيق القرار، بحلول يونيو/حزيران 2018.
وأشار الأمر الملكي إلى "ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك، مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها".
العلماء يعقبون
وذكر أن ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة هو "أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة، التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن..."
وبعد ساعة من الإعلان الرسمي في السعودية، قال السفير السعودي لدى واشنطن، الأمير خالد بن سلمان، إنه "يوم تاريخي وعظيم في مملكتنا".
وأضاف في تصريحات للصحفيين: "تعتقد قيادتنا أن هذا هو الوقت المناسب لهذا التغيير، لأن لدينا في السعودية حالياً مجتمعاً شاباً وحيوياً ومنفتحاً".
وتدفقت ردود الفعل الإيجابية سريعاً من داخل المملكة ومن أنحاء العالم.
فقد رحَّبت وزارة الخارجية الأميركية بالقرار، باعتباره "خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح". وقال البيت الأبيض في بيان منفصل، إن الرئيس دونالد ترامب أشاد بالقرار. وحمل البيان تعهداً بالدعم الأميركي لخطة أعلنتها السعودية العام الماضي للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
وجاء في البيان "هذه خطوة إيجابية صوب دعم حقوق وفرص النساء في السعودية... سنواصل دعم السعودية في جهودها الرامية إلى تعزيز أركان المجتمع السعودي والاقتصاد، من خلال إصلاحات كهذه، وتطبيق الرؤية السعودية 2030".
وعلى مدى أكثر من 25 عاماً قامت ناشطات بحملات من أجل السماح للمرأة بالقيادة، وشمل ذلك تحدي الحظر بالقيادة في الشوارع، وتقديم التماسات للملك، ونشر تسجيلات مصورة لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي وهن يقدن سيارات. وتعرضن بسبب تلك الاحتجاجات للاحتجاز، وواجهن مضايقات.
وقالت الناشطة منال الشريف، التي اعتقلت في 2011 بعد قيادة سيارة احتجاجاً على الحظر، على تويتر، عقب الإعلان الملكي "اليوم.. آخر بلد على وجه الأرض سيسمح للمرأة بالقيادة... لقد نجحنا".
وقالت لطيفة الشعلان، عضو مجلس الشورى السعودي لتلفزيون العربية "أشياء عديدة سوف تتغير في المملكة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية أو من الناحية الاجتماعية".
وأضافت: "هذا القرار سيُعزز توظيف النساء في القطاع الخاص... هذا يوم تاريخي، ولا أجد الكلمات التي تعبِّر عن شعوري وشعور آلاف السيدات السعوديات. هذا يوم ينتصر فيه الملك سلمان لملف حقوق الإنسان عامة، ولملف حقوق المرأة خاصة".
معارضة المحافظين
وفي السعودية، وهي من أكبر الحلفاء العرب للولايات المتحدة، النساء يخضعن قانوناً لوصاية الرجال، الذين تجب موافقتهم على القرارات الأساسية التي تتخذها النساء في مجالات كالتعليم والعمل والزواج والسفر، بل والعلاج.
والنساء في المملكة ملزمات بحكم القانون أيضاً بارتداء الثياب الطويلة والحجاب، ويحتجن لموافقة الولي على معظم الإجراءات القانونية.
وقال الأمير خالد إن المرأة لن تحتاج إلى إذن ولي أمرها لاستخراج رخصة قيادة، كما لن تحتاج إلى وجود ولي معها في السيارة أثناء القيادة، وسيسمح لها أيضاً بالقيادة في أي مكان بالمملكة، بما في ذلك مكة والمدينة.
وأضاف أن أي امرأة تحمل رخصة قيادة من أي دولة بمجلس التعاون الخليجي سيُسمح لها بالقيادة في المملكة.
وقالت جين كينينمونت، الباحثة بمركز تشاتام هاوس "فيما يتعلق بالعلاقات العامة الدولية هذا أكبر فوز يمكن أن تحققه السعودية، وخاصة محمد بن سلمان، بين عشية وضحاها".
وتحسن وضع المرأة السعودية تدريجياً في عهد العاهل الراحل الملك عبد الله. ومنذ تولي الملك سلمان الحكم في 2015 فتحت المملكة مجالات أخرى أمام النساء من خلال إصلاحات حكومية.
بيد أن ذلك أثار توتراً مع رجال دين بارزين. وعكس بعض ردود الفعل على إعلان اليوم ذلك، حيث ندد معارضون بالقرار على تويتر، واتهم أحدهم الحكومة "بلي نصوص الشرع".
وكتب مستخدم آخر "على ما أذكر، قالت هيئة كبار العلماء إنه يحرم على النساء القيادة. فكيف يصبح ذلك حلالاً فجأة؟".
وسئل الأمير خالد عما إذا كان قلقاً من رد فعل المحافظين، فقال "بشأن هذه التغييرات بعض الناس سيؤيدون... وبعض الناس سيعارضون، لكننا سنمضي جميعاً قدماً".
وأضاف "الأمر ليس أن النساء يجب أن يقدن، وإنما يمكنهن القيادة. لذلك إذا لم ترد أي امرأة أن تقود في السعودية فهذا اختيارها".
ودعا بعض رجال الدين البارزين في السعودية إلى منع المرأة من القيادة التي يقولون إنها قد تؤدي إلى اختلاطها مع رجال غير محارم، مما يؤدي إلى انتهاك قواعد الفصل الصارمة بين الجنسين في المملكة.
وقد تكون للقرار آثار اقتصادية واسعة أيضاً، إذ سيسمح للنساء بالذهاب إلى العمل دون الحاجة إلى سائق، كما سيحد من الإقبال على تطبيقات خدمات نقل الركاب مثل أوبر وكريم.
وقال الأمير خالد، وهو ابن الملك سلمان، إن القرار ليس مجرد تغيير اجتماعي، وإنما هو جزء من الإصلاح الاقتصادي في البلاد.
وأصبح شقيقه الأكبر، ولي العهد الأمير محمد (32 عاماً)، وجهاً للإصلاح في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية.
ويعتبر كثير من السعوديين الشبان صعوده دليلاً على أن جيلهم يتبوأ موقعاً رئيسياً في قيادة بلد جعلت تقاليده المحافظة على مدار عقود السلطة حكراً على كبار السن وعرقلت تقدم النساء.
وقالت مروة أفندي التي تبلغ من العمر 35 عاماً، وتعمل بمدينة جدة "يا إلهي.. هذا رائع. منذ صعود محمد بن سلمان (إلى السلطة) وهو يسرع بجميع التغييرات التي تحتاجها بلادنا… تهانيَ لجميع السيدات فهذا انتصار حقيقي".