يقول بن شهاب وهو من سكان مدينة تريم إنه يحرص كل عام على زيارة قبر النبي هود التي تقام في مطلع شهر شعبان، ويستعد قبل موعدها بوقت كافٍ. ويضيف في حديثه لبلقيس أن "الزيارة تمثل له مناسبة فريدة للاجتماع مع كثير من العلماء والأدباء، وهي فرصة لطلاب العلم للاستفادة من محاضراتهم وأنشطتهم الدعوية".
ويشير بن شهاب، إلى أن الزيارة تمثل له أيضا بيئة مناسبة لعكس موروث حضرموت الديني والثقافي، ونقل رسالة للداخل والخارج أن هذه البلدة تعشق السلام والهدوء.
زخم رغم الحرب
وإلى جانب عبدالله يحرص الآلاف من أبناء حضرموت ومعظمهم من منتسبي المدرسة الصوفية على زيارة ما يعتقد أنه قبر النبي هود الواقع في إطار مديرية السوم، على بعد ما يقرب من 140 كلم إلى الشرق من مدينة سيئون.
وخلال ثلاثة أيام (الثامن والتاسع والعاشر) من شهر شعبان كل عام، تنتعش المدينة وتزدهر بآلاف الزوار، فالدافع الديني وحتى السياحي يحفز كثير من المواطنين، لحزم حقائبهم نحو المدينة، كاسرين هدوء المدينة.
وتعد مدينة تريم الحاضر الأكبر في الزيارة، فمنها تنطلق وفود الجمال، كتقليد لايزال يحافظ عليه الأهالي رغم تطور وسائل المواصلات، فضلا عن ما تشهده من حشد مكثف للزيارة من خلال ما يسمى بـ"التهاويد" وهي عادة تقام نهاية شهر رجب تبشر بقرب الزيارة.
وعلى أن الحرب التي تشهدها البلاد حالت دون توافد كثير من الزوار الأجانب خصوصا من سلطنة عمان، إلا أن الزيارة لاتزال محافظة على زخمها المعتاد حسب ما يقول عبدالله بن شهاب، الذي أوضح أن الزوار يزيدون عامًا عن آخر، رغم كل ما تشهده البلاد.
وخلال موسم الزيارة تسري الحياة في المدينة وتكتظ منازلها وساحاتها بالنزلاء قبل أن تعود مرة أخرى إلى سكونها المعتاد نائمة في أحضان الجبل الشاهق الذي يحتويها، فيما تخلو البيوت أو ما يسمى بـ"الخدور" من النزلاء تمامًا، إذ أنها شيدت خصيصًا لغرض الزيارة فقط.
نظرة عن قرب
ينتصب قبر النبي هود على سفح جبل إلى الشرق من بئر برهوت التي تكثر حولها الأساطير، ويبلغ طوله ما يقرب من 20 متراً، وفي نهايته قبة بيضاء كبيرة.
ووفقا لمراجع تاريخية فإن الشيخ الفقيه حكم بن عبد الله باقشير المتوفى سنة (87هـ/879م) قام بعمارة القبر عمارة تامة وبناه بالحجر والنورة، وأقام عليه قبة ومهد محيطه من جهة الغرب، قبل أن تبنى عليه قبة ضخمة في العام (1097هـ/1685م)، وتوالت بعدها عمليات التعمير والتجديد حتى العصر الحاضر، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
أما عن طقوس الزيارة، فتتضمن ما يسمى بـ"الدخلات"، إذ أن لكل بيت من بيوت العلويين كآل شهاب والحبشي دخلة، وتقام بطريقة متعارف عليها، كما يؤدي الزائرون السلام على بئر تسمى "بئر التسليم"، التي يعتقد أنها ملتقى أرواح الأنبياء والأولياء الصالحين، كما تشمل الزيارة احياء بعض الألعاب الشعبية خصوصا في المساء.
يقول الداعية محمد العيدروس إن زيارة هود تمثل ملتقى عالمي يجتمع فيها أجناس من المسلمين، يستفيد بعضهم من بعض، ويتوثق عقد الأخوة في الله، والتشاور لخدمة الدين وتبادل المنافع والاستفادة من تجارب الآخرين.
ويشير العيدروس في حديثه لبلقيس إلى أن الزيارة بمثابة محطة لإصلاح النفس، وتعويدها على قيام الليل وحضور محافل التوبة والاستغفار ومجالس العلماء، حسب قوله.
وما يلفت الانتباه في الزيارة خلوها تماماً من النساء، إذ لا يسمح باصطحابهن، لكن المدينة تبقى مفتوحة لزيارة العائلات بقيت أيام السنة.
موسم تجاري
وإضافة إلى رمزيتها الدينية، تبقى زيارة قبر النبي هود عليه السلام واحدة من أبرز المواسم التجارية التي تشهدها محافظة حضرموت، وينتظرها التجار بفارغ الصبر. يقول عبدالله سعيد وهو تاجر لبيع الملابس التقليدية إنه يحرص على الذهاب للزيارة منذ 18 عامًا، ويضيف سعيد في حديثه لبلقيس أن الزيارة تمثل موسمًا تجاريًا لا يفوت، لكنها تأثرت بالحرب التي حالت دون قدوم الأجانب الذين كانوا يمثلون قوة شرائية كبيرة، وينعشون أسواق الزيارة، حسب قوله.