كان السائق يطلب النجدة من المواطنين المحتشدين، بعد تعطل عدد من السيارات في الشارع وانقطاع خط المرور، وتوقف العشرات من السيارات على امتداد الشارع، لم يكن أمام سائق الأجرة حل في الخروج من المياه، توقف عن المناشدة وبدأ بالعمل على إخراج الماء من سيارته من خلال "الغرف" في علبة مياه معدنية فارغة، حتى يتخفف السيل المتدفق ويستطيع الخروج.
استمر سائق الأجرة نحو ساعتين متوقف بين السيول المتدفقة لا يستطيع الخروج من سيارته ولا النجاة من الماء الذي تسرب إلى سيارته، حيث يصطف بجوار عشرات السيارات المتوقفة والغارقة في المياه، وهذا المشهد يتكرر دائما في العاصمة صنعاء في موسم الأمطار، بسبب الخراب في شبكة المجاري.
خسائر مادية
خلال الأيام الماضية شهدت العاصمة صنعاء عدد من حوادث الغرق لسيارات، بالإضافة إلى الأعطال التي تسبب في الكثير منها بسبب سيول الأمطار التي أغرقت الشوارع، ودخلت تلك المياه إلى بعض المحلات التجارية في بعض الشوارع والاحياء.
وتسببت السيول بغرق سيارة نوع لكزز حديثة في جسر 45 بصنعاء الاحد الماضي 21 ابريل/ نيسان، ونجا من كان بداخلها من الركاب، وفي نفس اليوم نجا أيضا سائق ناقلة متوسطة (دينا) بعد عملية انقاذ قام بها شباب بعدما شاهدوا الناقلة تتأرجح في وسط السيل المتدفق.
وفي حي السنينة هجمت السيول على مالك بقالة واتلفت جميع المواد التي كانت على الأرض وفي الرفوف السفلى، وقال شهود عيان لـ "بلقيس" ان السيول القادمة من الجبال الوديان في منطقة "الخمسين" تدفقت فجأة وغمرت البقالة ووصل ارتفاع الماء نحو متر، مما تسبب بخسارة كبيرة لمالكها.
ولا يكترث الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء – باعتبارهم سلطات أمر واقع – لهذه الكارثة التي تكبد المواطنين خسائر كبيرة، حيث وسبق أن حدثت نفس المشاكل في موسم الامطارالعام الماضي. فمن لم يستطع حل مشكلة مياه الصرف الصحي التي تغرق الشوارع خلال العام، لن يعمل شيء من اجل تصريف مياه الامطار الكثيفة.
مشكلة المجاري
تعمل السيول على قطع الطرقات وتعطيل حياة المواطنين، من خلال إحداث خراب في الطرق والتسبب في خسائر مادية للمحلات التجارية، والسبب هو خراب في شبكة مجاري المياه وعدم وجودها في بعض الاحياء، وهي المشكلة المعقدة التي يعاني منها السكان منذ سنوات.
وليست الأمطار وحدها تكشف رداءة المجاري، فخلال العام يعاني كثير من السكان من خراب شبكات مياه الصرف الصحي والتي تنفجر في الشوارع والأحياء ما بين الحين والآخر، وتتسرب مياهها الكريهة في الأحياء السكنية، وتسبب بكثير من المشاكل الصحية، وأبرزها انتشار "وباء الكوليرا".
وقال "عبد الله محسن" موظف في البلدية في صنعاء "ان مشكلة المجاري معقدة بسبب أنها بلا صيانة ولا توسعة منذ سنوات، وخلال الحرب تراكمت مشكلتها أكبر حيث أصبحت معظمها مسدودة بالقمامة والمخلفات، في ظل تجاهل وعجز من قبل السلطة في معالجتها".
وأضاف في حديث لـ "بلقيس" أن القمامة تتراكم احياناً في الشوارع لأيام بسبب مشاكل عمال النظافة مع المسؤولين، حيث ينفذون إضرابات بسبب عدم تسليم رواتبهم رغم انها زهيده جدا، بالإضافة إلى ان عمل البلدية أصبح مقتصر فقط على رفع المخلفات التي تخرج من المنازل فقط، بدون العمل الدائم على تنظيف الشوارع وهو ما سبب انسداد كلي للمجاري.
وأشار محسن "ان هناك توسع في السكان بشكل كبير، في المقابل ضعف في شبكة المجاري وعدم تطويرها او إصلاحها وهو ما جعل قدرتها أقل بكثير من المطلوب، بالإضافة إلى انها أصبحت غير صالحة وبحاجة إلى صيانة كاملة".
انتشار الأوبئة
وخلال الأشهر الماضية شهدت العاصمة صنعاء انتشار لمياه الصرف الصحي في الاحياء جراء طفح المجاري في كثير من الأحياء، وهو ما تسبب بتلوث كبير، وحالة سخط لدى السكان حيث أصبح خطورة إصابتهم بوباء "الكوليرا" أكثر من غيرهم، نتيجة التلوث الذي يعيشون فيه بشكل دائم.
حتى مدينة "صنعاء القديمة" لم تسلم من طفح المجاري، حيث ظلت لأيام، قبل أن تتدخل منظمة اليونيسف لإصلاحها والبدء بمشروع إصلاح شبكة المجاري في المدينة بشكل عام والتي تتألف من 21 كيلومتراً من خطوط الصرف الصحي التي تصرف مياه عادمة 80،000 متر مكعب في اليوم. بحسب تقرير لليونيسف.
وفي 24 فبراير/ شباط الماضي أعلنت اليونيسف، أن الاتحاد الأوروبي ساهم بـ 10 ملايين يورو، لدعم مشروعين جديدين منها صيانة لمياه والصرف الصحي، والذي سيركز على الحد من المخاطر التي تشكلها الكوليرا والإسهال المائي الحاد ومعالجة المخاطر المرتبطة بالخدمات السيئة لنظم المياه والصرف الصحي. وفقا للبيان.
وفاقمت الحرب خلال السنوات الماضية من تدهور البنية التحتية في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، جراء الحرب حيث تسبب المعارك التي اندلعت في المدن بالإضافة إلى غارات مقاتلات التحالف العربي في التسبب بخراب كبير لشبكة المجاري، التي كانت قبل الحرب هشة بالأساس ولا تفي بحجم احتياج السكان.